آفاق السلام الدائم بين أرمينيا وأذربيجان

التقى قادة أرمينيا وأذربيجان في واشنطن العاصمة في ٨ أغسطس ٢٠٢٥ ووقعوا إعلانًا يهدف إلى التوصل إلى اتفاق سلام في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.[1] يمثل هذا الاتفاق لحظة تاريخية حقيقية، ذلك أنّ العقود الماضية اتسمت بالحرب والمواجهة والجمود بين البلدين. على الرغم من الإمكانات الاقتصادية والثقافية الكبيرة، فقد تعرضت منطقة جنوب القوقاز لعقود من الزمن للتدهور بسبب الصراع المستمر بين أذربيجان وأرمينيا على منطقة ناغورنو كاراباخ. تم الشروع بالفعل في الخطوات الأولى نحو تحقيق السلام: ألغت أذربيجان جميع القيود على عبور الشحنات إلى أرمينيا.[2] ومع ذلك، ينبغي على كلا البلدين اعتماد الاتفاقية والمصادقة عليها وتنفيذها على المستوى الداخلي. لا تزال هناك عدة قضايا عالقة، وفي ظل هذا السياق، يتعين دراسة المشهد الجيوسياسي للمنطقة، بما في ذلك مواقف الاطراف الاقليمية.

أولاً، يُعد هذا بمثابة علامة إضافية على أن كلا البلدين يتحركان تدريجيًا نحو الخروج من دائرة النفوذ الروسي. قد يكون ابتعاد أرمينيا عن النفوذ الروسي مرتبطًا بعدم استجابة مؤسسة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا للوفاء بالتزاماتها الأمنية تجاه أرمينيا. الخطوة التي دفعت أرمينيا، وفقًا لما صرح به رئيسها، إلى "تنويع علاقاتها في مجال الأمن".[3] التوترات بين البلدين واضحة في وسائل الإعلام ومن خلال تبادل التصريحات السياسية على مستويات متعددة. في إشارة إلى تحوّل جيوسياسي، أعلن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان مؤخرًا أن أرمينيا مستعدة لاستكشاف إمكانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبدء المفاوضات المتعلقة بالموضوع.[4] وافق البرلمان الأرمني على مشروع القانون المتعلق بالموضوع.[5] على الرغم من أن هذا الطموح يثير استياء الدوائر الحاكمة في روسيا، كما عبّر عنه مرارًا عدد من السياسيين في الاتحاد الروسي.[6] علاوة على ذلك، انتقد رئيس الوزراء علنًا ممثلي الكنيسة الأرمنية، متهمًا إياهم بأنهم وكلاء للنفوذ الروسي.[7] ومع ذلك، تظل أرمينيا عضواً في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا. [8]

بالإضافة إلى ذلك، في الإعلان التمهيدي الموقع في واشنطن العاصمة، اتفقت أرمينيا وأذربيجان على اللجوء إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لإيقاف ما يُعرف بمجموعة مينسك.[9] تم إنشاء المجموعة عام 1992 برئاسة مشتركة لكل من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، وهدفت إلى حل النزاع بين الدولتين، إلا أنها لم تحقق الكثير بسبب التوتر المستمر بين الرؤساء المشاركين.[10] ويُعد هذا خطوة إضافية في الحد من نفوذ روسيا في المنطقة.

في المقابل، تصاعدت التوترات مؤخرًا بين أذربيجان وروسيا. قبل أسابيع قليلة، أعلن الرئيس إلهام علييف عن نيته رفع دعوى قضائية ضد روسيا في محكمة دولية بشأن إسقاط طائرة مدنية أذربيجانية. علاوة على ذلك، أدى سوء المعاملة ووفاة مواطنين أذربيجانيين وأعضاء من الشتات الأذربيجاني في روسيا إلى تفاقم التوترات الدبلوماسية بين البلدين.[11] في الوقت نفسه، تم في أذربيجان الكشف واعتقال أفراد يشتبه في ارتباطهم بشبكات المخابرات الروسية.[12]

ثانيًا، الابتكار الرئيسي في إعلان السلام يتمثل في مشروع البنية التحتية العابرة للحدود المعروف بممر زانغزور. سيمر الطريق، الذي يربط أراضي أذربيجان بجمهورية نخجيوان ذاتية الحكم، عبر الأراضي الأرمنية. وافقت أرمينيا على السماح للولايات المتحدة بتطوير الأراضي لمدة 99 عامًا، وتسمية المشروع باسم الرئيس دونالد ترامب تحت مسمى طريق ترامب للسلام والازدهار العالمي. يفتح طريق ترامب للسلام والازدهار العالمي (TRIPP) أفقًا جديدًا لتطوير الممر الأوسط بشكل أكبر. يُعد الممر الأوسط، وهو طريق نقل عالمي يربط بين الصين وأوروبا، حجر الزاوية في الاستقلال الاقتصادي للدول الواقعة على طول الممر، بالإضافة إلى كونه خطوة مهمة نحو استقلال الصين عن طريق النقل عبر سيبيريا الذي يمر عبر الاتحاد الروسي.

يسهم فتح ممر زانغزور وتعزيز العلاقات بين أذربيجان وتركيا في تعزيز موقع باكو وأنقرة في المنطقة، مما يؤدي إلى تقليص نفوذ روسيا وإيران بشكل أكبر. أعربت إيران عن شكوكها تجاه المشروع منذ وقت مبكر. تعكس سلسلة من التصريحات الصادرة عن مختلف ممثلي الحزب الحاكم في إيران استياء طهران من زيادة المشاركة الأمريكية في المنطقة. تجرأ أحد الأطراف إلى حد التصريح قائلاً بأن "علييف وباشينيان يسيران في طريق زيلينسكي إلى البؤس".[13] أولاً، يمكن لإيران مقاومة النفوذ المتزايد لتركيا في منطقة جنوب القوقاز، والذي يسهل تحقيقه عبر افتتاح الطريق الجديد الذي يربط آسيا الوسطى بتركيا. ثانيًا، نظرًا لانقطاع علاقات أرمينيا مع جارتَيها تركيا وأذربيجان، أصبحت أرمينيا تعتمد بشكل حصري على علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إيران ودورها في محور النقل الشمالي-الجنوبي بين روسيا وإيران. ومع ذلك، سيتراجع اعتماد أرمينيا على علاقاتها مع إيران في مجال النقل مع افتتاح إمكانيات النقل والاقتصاد الجديدة عبر ممر زانغزور. بالإضافة إلى ذلك، يعزز الممر التحالف بين أذربيجان وتركيا، وهو ما قد تعتبره إيران تهديدًا لهيمنتها الإقليمية.

ومع ذلك، في سبتمبر 2025، سافر رئيس إيران محمود بيزشكيان إلى يريفان للقاء رئيس أرمينيا للحصول على تأكيدات بأن الممر لن يُستخدم لإقصاء إيران أو الإضرار بمصالحها في المنطقة.[14]

علاوة على ذلك، إذا تم تنفيذ ممر زانغزور—عبر كازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وأرمينيا وتركيا، ثم إلى أوروبا—فقد يصبح مسارًا بديلًا لمشروع الممر الأوسط الحالي، ويتجاوز جورجيا بالكامل. لقد بات يُنظر إلى جورجيا على أنها فقدت مكانتها كأقوى حليف للولايات المتحدة في المنطقة وكداعم لمشاريع الربط الإقليمي.[15]

من القضايا الأخرى التي يجب حلها قبل تحويل الإعلان إلى معاهدة ملزمة والمصادقة عليه من قبل كلا الدولتين، الإشارات إلى ناغورنو-كاراباخ في دستور أرمينيا. تصر أذربيجان على أن يتم إزالة أي إشارة إلى إقليم ناغورنو-كاراباخ من دستور أرمينيا.[16] في الواقع، يشير دستور أرمينيا إلى إعلان الاستقلال، الذي بدوره يذكر هذا الإقليم. أشار باشينيان بالفعل إلى استعداده للعمل على هذه التعديلات، مشيرًا إلى أنه إذا وجدت المحكمة الدستورية تعارضًا بين معاهدة السلام والدستور، فسيتم تعديل الدستور. [17]

مسألة أخرى قد تؤثر على إمكانية المصادقة على معاهدة السلام TRIPP في أرمينيا هي الانتخابات المقبلة في البلاد. تستعد أرمينيا لانتخابات برلمانية في يونيو 2026. ستكون مكانة رئيس الوزراء وحزبه الحاكم خاضعين لاختبار الديمقراطية. وفقًا لاستطلاع لمعهد الجمهوريين الدوليين، تراجع شعبية نيكول باشينيان إلى 13٪، ومع ذلك، لا يبدو أن هناك منافسين بارزين في الأفق. لا يزال يتصدر قائمة أكثر السياسيين موثوقية.على الرغم من بقاء عدة أشهر على الانتخابات، فقد بدأت الحملة الانتخابية بالفعل، وبدأ المناخ السياسي يُظهر بعض التوترات. أحد أحدث المرشحين لقيادة البلاد، رجل الأعمال الروسي-الأرميني سامفيل كارابتيان الذي تم اعتقاله في يونيو 2025 بتهمة محاولة الإطاحة بالحكومة. وُصِف ترشيحه بأنه سيناريو محتمل لتدخل روسيا في الانتخابات الأرمينية.[18]

في الختام، على الرغم من أن مؤتمر واشنطن للسلام وإعلان السلام الناتج بين أرمينيا وأذربيجان قد تم اعتبارهما خطوة كبيرة نحو السلام الإقليمي وتعزيز العلاقات الاقتصادية، إلا أن هناك عدة عقبات يجب تجاوزها في طريق تحقيق السلام الدائم.


بيان إخلاء المسؤولية:

الآراء والمواقف الواردة في سلسلة منشورات قسم “آراء ورؤى” تعبّر عن وجهات النظر الشخصية للكتّاب، ولا تعكس بالضرورة السياسات أو المواقف الرسمية لمركز ربدان للأمن والدفاع أو أي من المؤسسات التابعة له أو لأي جهة حكومية. والمحتوى المنشور يهدف إلى توفير معلومات عامة ويعكس وجهات نظر شخصية حول قضايا متعلقة بالأمن والدفاع.


[1]https://www.theguardian.com/world/2025/aug/09/azerbaijan-and-armenia-sign-peace-deal-at-white-house-that-creates-a-trump-route-in-region

[2] https://www.arabnews.com/node/2619671/world

[3] https://eurasianet.org/armenian-pm-sees-no-advantage-in-russian-troop-presence-as-ties-with-moscow-deteriorate-further

[4] https://www.politico.eu/article/armenia-floats-eu-referendum-amid-split-with-russia/

[5] https://www.politico.eu/article/armenia-european-union-membership-accession-nikol-pashinyan/

[6] https://am.sputniknews.ru/20251007/armeniya--nash-soyuznik-zhizn-vse-rasstavit-po-mestam-dzhabarov-o-stremlenii-erevana-v-es---94346067.html

[7] https://am.sputniknews.ru/20251007/armeniya--nash-soyuznik-zhizn-vse-rasstavit-po-mestam-dzhabarov-o-stremlenii-erevana-v-es---94346067.html

[8] https://am.sputniknews.ru/20251007/armeniya.--nash-soyuznik-zhizn-vse-rasstavit-po-mestam-dzhabarov-o-stremlenii-erevana-v-es---94346067.html

[9] https://www.state.gov/wp-content/uploads/2025/08/2025JointDeclaration.AzerbaijanArmenia.pdf

[10] https://www.rferl.org/a/osce-minsk-group-legacy-end-future-implications/33519655.html

[11] https://www.rferl.org/a/azerbaijan-russia-police-raid-deaths-caucasus-diplomacy/33460707.html

[12] https://kyivindependent.com/2-russian-fsb-agents-detained-in-azerbaijan-amid-searches-in-office-of-russian-state-controlled-media-sputnik/

[13] https://www.iranintl.com/en/202508105642

[14] https://www.setav.org/en/from-confrontation-to-caution-where-will-the-zangezur-corridor-take-iran

[15] https://jamestown.org/program/consequences-for-georgia-after-the-peace-declaration-between-azerbaijan-and-armenia/

[16] https://www.europarl.europa.eu/thinktank/en/document/EPRS_BRI(2025)779170

[17] https://www.primeminister.am/en/statements-and-messages/item/2024/11/13/Nikol-Pashinyan-Speech/

[18] https://jam-news.net/moscow-attempting-ivanishvili-2-0-operation-in-armenia-says-analyst/

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

An error has occurred. This application may no longer respond until reloaded. Reload 🗙