ما بعد دافوس 2025: التعاون في عصر الذكاء

17 مارس 2025


يجتمع قادة العالم ورواد قطاع الصناعة ورؤساء المؤسسات غير الحكومية في مدينة دافوس في سويسرا لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد في فصل الشتاء من كل عام. ومنذ تأسيسه في عام 1971، استضاف المؤتمر مناقشات حول الاتجاهات الملحة

للتنمية الاقتصادية والرفاهية المجتمعية. وكان موضوع المنتدى لهذا العام “التعاون في عصر الذكاء”، حيث تناولت المناقشات مواضيع الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والرقمنة.


اتجاه مُقلق: التوجه نحو الأحادية

أقّر المنتدى الاقتصادي العالمي بوجود اتجاه ناشئ يتمثل في اتجاه القوى الاقتصادية نحو سياسة العزلة، على الرغم من دعوات الاقتصادات النامية إلى الحفاظ على التعددية وتعزيزها. وقد نبهت الإدارة الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أن أكبر اقتصاد في العالم، الذي يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي 29 مليار دولار أمريكي في عام 2024[1]، يناقش فرض زيادات في التعريفات الجمركية. وتشمل هذه الرسوم الجمركية 25% على السلع الواردة من جيران الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، و60% على منافستها الاستراتيجية الصين، و10% على بقية دول العالم. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تزال في خضم وضع اللمسات الأخيرة على هذه التعريفات الجمركية، إلا أنه من المرجح أن تكون أعلى من تلك التي كانت تفرضها إدارة بايدن السابقة.

وعلى الرغم من أن العديد من الدول تدعي أن تعدد الأقطاب هو مفتاح النجاح الاقتصادي، إلا أن هناك اتجاهًا حادًا في السنوات العشر الماضية نحو انعدام الثقة (بين الاقتصادات النامية). تأسست منظمة التجارة العالمية (WTO) على نظام بريتون وودز للإدارة النقدية في عام 1944، ولكنها تواجه انتقادات بسبب الإعفاءات الإقليمية التي تتحايل على مبدأ الدولة الأولى بالرعاية (MFN)، والذي من المفترض أن يضمن المساواة بين جميع الشركاء التجاريين. فبموجب اتفاقية لومي، على سبيل المثال، يحصل الاتحاد الأوروبي على معاملة تفضيلية عند استيراد الموز من دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ. وفي مثال آخر، زعمت إندونيسيا وماليزيا أن لائحة الاتحاد 0لعدم مراعاة التحديات التي يواجهونها. من ناحية أخرى، تم إنشاء الأمم المتحدة (UN) لمتابعة مسار التنمية والحد من التفاوتات، إلا أنها تواجه انتقادات لصمتها إزاء النزاعات السياسية والأمنية الكبرى حول العالم.


تساؤلات مهمة حول التقنيات التي قد تغير قواعد اللعبة

من الناحية التكنولوجية، يتجه العالم نحو استخدام التقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن عصر الذكاء الذي ندخله سيقلل من مساهمة الإنسان في الذكاء وسيهيمن عليه في الغالب التعلم الآلي والخوارزميات. هناك بعض الأسئلة الأساسية التي تستحق المناقشة. هل ستجعل التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي العالم أكثر توحدًا أم تفككًا؟ ما هي أدوار التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي في بناء الثقة؟ وفي الوقت نفسه، هل سيكون هناك مجال للابتكار لإعادة بناء الثقة بين اقتصادات العالم؟

تُعتبر هذه الأسئلة محورية في تشكيل عصر ذكي يعود بالنفع على جميع المجتمعات. في حين أن معظم الحاضرين في اجتماع دافوس هم من كبار الشخصيات وقادة العالم، إلا أنه اعتبارًا من عام 2023، لا يزال 5% من سكان العالم عاطلين عن العمل[2]، و18% من سكان العالم في 110 دولة محاصرين في فقر مدقع[3]. كما أن مخاوفهم جديرة بالمناقشة، وينبغي على النخبة في دافوس السعي للتعاون معهم بشكل هادف في هذه الحقبة الجديدة.

ومن بين جميع مواضيع النقاش التي طُرحت في دافوس [4]2025، قد تكون إعادة تصور النمو هي الأهم. فقد استعرض الاقتصاديون والمفكرون العالميون النمو في العصر الجديد. هل سيبقى الناتج المحلي الإجمالي والاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) كمؤشرين رئيسيين لصحة اقتصاد البلد؟ وهل هناك علاقة مشتركة قوية بين الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة دخل الفرد أو الأسرة؟ علاوة على ذلك، كيف يمكننا توزيع نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار الأجنبي المباشر من أجل رفاهية جميع المجتمعات في العالم؟

كما تمت مناقشة التحول في مجال الطاقة والطاقة المتجددة في العصر الذكي. ويتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن يزداد الطلب على الطاقة من مراكز البيانات من 1% في عام 2022 إلى أكثر من 3% بحلول عام 2030[5]. وبحث الخبراء في الطرق التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها تقليل ما يصل إلى 60% من استخدام الطاقة من خلال تحسين تخزين الطاقة وكفاءة البطاريات والإدارة الذكية للشبكة[6]. في الحقبة الجديدة، سيكون تحسين الطاقة أمرًا مهمًا في التعامل مع التقلبات وعدم اليقين والتعقيد والغموض (VUCA).

قد يؤدي تسارع وتيرة الذكاء الاصطناعي إلى توسيع الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية. لا تزال 44 دولة من الدول الأقل نموًا، وفقًا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لعام 2024، تواجه مستويات دخل غير كافية، وانخفاضًا في مؤشر الأصول البشرية (HAI)، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الهشاشة الاقتصادية والبيئية. أما الدول الخارجة من النزاعات، لا سيما في الشرق الأوسط، فلا تزال تعاني من أزمات اقتصادية مع محاولتها استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين وضحايا الحروب والمجتمعات الضعيفة. وإذا لم تُعالج هذه التحديات الاقتصادية بصورة شاملة، فقد تزداد احتمالات اندلاع العنف. وهنا يبرز تساؤل هام: إذا كان الذكاء الاصطناعي يوسّع الفجوات بين الدول، فكيف يمكننا التمهيد لعصر ذكي يحدّ من النزاعات ويعزز التعاون؟

يساعدنا موضوع المنتدى الاقتصادي العالمي 2025 على استيعاب ملامح العالم الذي نحن بصدد


[1] tatista (2025). The 20 countries with the largest Gross Domestic Product (GDP) in 2024, https://www.statista.com/statistics/268173/countries-with-the-largest-gross-domestic-product-gdp/#:~:text=In%202024%2C%20the%20United%20States,around%2018.5%20trillion%20U.S.%20dollars

[2] he World Bank Group, Unemployment, Total (% of total labour force), https://data.worldbank.org/indicator/SL.UEM.TOTL.ZS

[3] Relief Web, (2023). Global Multidimensional Poverty Index 2023 – Unstacking Global Poverty: Data for high impact action, https://reliefweb.int/report/world/global-multidimensional-poverty-index-2023-unstacking-global-poverty-data-high-impact-action#:~:text=According%20to%20the%202023%20release,of%20every%20six%20poor%20people

[4] Reimagining growth, industries in the intelligent age, investing in people, safeguarding the planet, and rebuilding trust.

[5] World Economic Forum (2025). AI’s Energy Dilemma: Challenges, Opportunities, and a Path Forward, https://www.weforum.org/stories/2025/01/ai-energy-dilemma-challenges-opportunities-and-path-forward/

[6] Ibid.

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

An error has occurred. This application may no longer respond until reloaded. Reload 🗙