الـمـخـاطِـر الـبـحـريـة: كـيـف تـؤثـر الـحـوادث الـبـحـريـة عـلـى عـمـلـيـات الـبـحـريـة الأمـريـكـيـة فـي الـشـرق الأوسـط

في 12 فبراير 2025، اصطدمت حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري إس. ترومان" (CVN-75) من فئة نيميتز بسفينة الشحن الضخمة "بيشكتاش-إم/في" المسجلة تحت علم بنما، قبالة السواحل المصرية، أثناء اقترابها من قناة السويس للانفتاح في البحر الأحمر,[1] مما سلط الضوء على المخاطر الكامنة في عبور الممرات البحرية المزدحمة. وفي حادثة أخرى مماثلة، جنحت سفينة الإمداد "يو إس إن إس بيغ هورن" (T-AO-198) من فئة "هنري جي. كايزر" قبالة ساحل عُمان,[2] في 23 سبتمبر 2024، ما أدى إلى تعطيل عمليات التزوُّد بالوقود في البحر وعرقلة الدعم اللوجستي لمجموعة حاملة الطائرات القتالية "يو إس إس أبراهام لينكولن" (CVN-72). ورغم ندرة الحوادث البحرية، فإن هذا الاصطدام ليس الأول من نوعه لحاملة طائرات أمريكية في الشرق الأوسط. ففي يوليو 2004، اصطدمت حاملة الطائرات "جون إف. كينيدي" (CV-67) بقارب صيد أثناء عمليات ليلية في الخليج، ما أدى إلى غرق القارب. كما سُجلت اصطدامات طفيفة بين السفن الحربية وسفن الدعم اللوجستي التابعة للبحرية الأمريكية خلال عمليات التزود بالوقود في البحر عام 2014.[3]تشكل هذه الحوادث غير القتالية وغير المتوقعة تحدياً حقيقياً لانتشار القوات البحرية الأمريكية في المياه الإستراتيجية الخاضعة لمسؤولية القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM). إذ تُعد حاملات الطائرات وسفن التزود بالوقود الأمريكية ركائز أساسية في إستراتيجية الردع وإبراز القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك الدعم المستمر للقوات المُنفتحة في الخطوط الأمامية. كما أن وقوع حوادث بحرية، إلى جانب التأخيرات المحتملة في عمليات الإصلاح وإعادة الانتشار، قد يُضعف من فعالية التواجد البحري الأمريكي، ويحد من المرونة العملياتية، ويعطل سير المهام الجارية. علاوة على ذلك، تسلط هذه الأحداث الضوء على الدور الحيوي للخدمات اللوجستية العسكرية واستدامة الأسطول في ضمان النجاح طويل الأمد للعمليات البحرية

حاملة الطائرات يو إس إس ترومان: تحليل الاصطدام

تتمركز مجموعة القتال التابعة لحاملة الطائرات "يو إس إس هاري إس. ترومان" (CSG) في القاعدة البحرية نورفولك بولاية فيرجينيا، وقد انتشرت في مياه الشرق الأوسط في منتصف ديسمبر 2024,[4] لتنضم إلى الأصول العسكرية الأمريكية الأخرى المنفتحة في المنطقة بهدف ردع وتقليل الهجمات الحوثية على حركة الشحن الدولية. وخلال انتشارها في بحر العرب، لعبت "يو إس إس ترومان" دوراً رئيسياً في تعزيز الموقف الدفاعي الإقليمي لواشنطن، بما في ذلك تنفيذ ضربات جوية دقيقة ضد مواقع عسكرية حوثية وعناصر تابعة لتنظيم داعش في الصومال.[5]

بعد انتشارٍ دام 50 يوماً في البحر الأحمر، عبرت "ترومان" قناة السويس شمالاً في أوائل فبراير 2025، متجهةً إلى القاعدة البحرية الأمريكية "في خليج سودا" في جزيرة كريت لإجراء زيارة للميناء.[6] تُعد هذه القاعدة منشأة عملياتية ساحلية مزودة بمدرج جوي صالح لجميع الأحوال الجوية، ورصيف مياه عميقة، وخدمات إعادة التزوُّد بالوقود والإمداد. ويجعل موقع قاعدة الدعم البحري "سودا باي" الإستراتيجي، ومنشآتها المتطورة التي تدعم الأسطول، منها أحد الأصول الحيوية في بنية ومنظومة البحرية الأمريكية فيما يخص القواعد الأمامية. وعلى الرغم من أن القاعدة تقع ضمن نطاق مسؤولية الأسطول السادس الأمريكي (أوروبا/أفريقيا)، إلا أن قربها من البحر الأحمر يجعلها ذات أهمية خاصة لدعم السفن الحربية العاملة تحت قيادة الأسطول الخامس (الشرق الأوسط). بالإضافة إلى ذلك، يضم المجمع البحري في "ماراثي" التابع لحلف الناتو في القاعدة، الرصيف العسكري العميق الوحيد في البحر الأبيض المتوسط القادر على استقبال وإرساء حاملات الطائرات الأمريكية.[7]

تلعب زيارات الموانئ دوراً حيوياً في عمليات استدامة الأسطول خلال امتداد عمليات الانتشار في الخطوط الأمامية، حيث تضمن الحفاظ على جاهزية السفينة القتالية من خلال توفير خدمات الصيانة والتزوُّد بالوقود والإمدادات.علاوة على ذلك، تتيح هذه الزيارات لأفراد الطاقم فرصة للراحة والاستجمام على اليابسة، وهو أمر ضروري لرفاهيتهم بعد عمليات انتشار طويلة في بيئات عالية المخاطر. ومع ذلك، يسعى المُخططون العسكريون في واشنطن إلى تقليل هذه الزيارات إلى الحد الأدنى للحد من عدم تواجد السفن الحربية في مسرح العمليات. وبشكلٍ عامٍ، تستغرق زيارات الموانئ الروتينية للتزوُّد بالوقود والإمدادات وإجازة الطاقم من ثلاثة إلى خمسة أيام، بينما يمكن أن تمتد الزيارات الودية إلى سبعة أيام. بعد الانتهاء من زيارتها في قاعدة "سودا باي" التابعة للبحرية الأمريكية، اقتربت حاملة الطائرات "ترومان" من ميناء بورسعيد، المدخل الشمالي لقناة السويس، لاستئناف عملياتها في البحر الأحمر، عندما اصطدمت بسفينة الشحن "بيشيكتاش-م في"، التي كانت تغادر القناة متجهة إلى كونستانتا، رومانيا.[8] بينما لا تزال التحقيقات جارية، تشير الأضرار إلى أن الجزء الأمامي الأيمن للسفينة "بيشيكتاش-م" قد اصطدم بالربع الأيمن الخلفي لـ "ترومان"، مما أدى إلى أضرار في هيكل السفينة فوق خط الماء. وتشير بيانات نظام التعريف التلقائي AIS للسفينة التجارية إلى أن الحادث وقع في موقع الرسو شمال بورسعيد.[9]

يُعد هذا المسار الملاحي من بين أكثر مناطق العالم ازدحاماً بحركة المرور البحرية، حيث تنتظر مئات السفن في مواقع الانتظار قبل التوجه جنوباً في البحر الأحمر جنباً إلى جنب مع العديد من السفن التي تغادر قناة السويس. وعلى عكس البروتوكول المعتاد للبحرية الأمريكية في المياه المزدحمة، اقتربت حاملة الطائرات الأمريكية من قناة السويس وهي مُغلقة نظام التعريف التلقائي (AIS).بعد حادث الاصطدام بفترة قصيرة، قامت "ترومان" بتفعيل نظام التعريف التلقائي الخاص بها، وأعادت التجمع مع سفينتها المدمرة المرافقة، وهي المدمرة الصاروخية الموجهة من فئة "أرلي بيرك" "يو إس إس جيسون دنهم " (DDG 109)، قبل العودة إلى قاعدة "سودا باي" لإجراء الإصلاحات العاجلة.[10] وعلى الرغم من الأضرار، استمرت "ترومان" في إجراء العمليات الجوية الروتينية أثناء تواجدها في شرق البحر الأبيض المتوسط.

بمجرد وصولها إلى جزيرة كريت، نفّذت فرق من مركز الصيانة الإقليمي الأمامي التابع للبحرية الأمريكية (FDRMC) عملية إصلاح طارئة (ERAV) على حاملة الطائرات.[11] يقع مقر هذا المركز في نابولي، إيطاليا، وهو مركز الصيانة الإقليمي الأمامي الوحيد المتواجد ضمن نطاق عمليات الأسطولين الخامس والسادس للبحرية الأمريكية.[12]

وخلص فريق التقييم إلى أن الأضرار شملت الجدران الخارجية لبعض مناطق التخزين والصيانة، بينما أثرت الأضرار الخارجية على منطقة مناولة حبال ربط السفينة أثناء الرسو، والمؤخرة، والمنصة العلوية لأحد مخازن السفينة. ومع ذلك، لم يتعرض مصعد الطائرات رقم ثلاثة، الذي يلعب دوراً حيوياً في نقل الطائرات المقاتلة من الحظائر إلى سطح الطيران، لأي ضرر.[13] وبدعم من فرق حوض بناء السفن البحري في نورفولك ومجموعة ثيودوروبولوس (وهي شريك محلي لقاعدة الدعم البحري في بناء السفن)، أكمل أفراد مركز الصيانة FDRMC عملية الإصلاح الطارئة خلال خمسة أيام، مما أعاد لحاملة الطائرات "ترومان" جاهزيتها القتالية.[14]

وفقاً للإجراءات المعتادة للبحرية الأمريكية بعد أي تصادم، سعت واشنطن إلى استعادة الثقة عبر إعادة هيكلة القيادة على متن "ترومان”، حيث تم تعيين الكابتن كريستوفر "تشاودا" هيل ليحل محل الكابتن ديف سنودن كقائد للسفينة.[15] ومع الانتهاء من الإصلاحات في وقت قياسي، عادت حاملة الطائرات "ترومان" والمدمرة "يو إس إس جيسون دونهام" إلى نطاق عمليات القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في الأسبوع الأخير من فبراير، واستأنفت عمليات الطيران الروتينية .[16]

لا تزال تحقيقات الأسطول السادس للبحرية الأمريكية جارية، لكن من المرجح أن عدة عوامل ساهمت في وقوع التصادم. ومن دون شك، فإن اقتراب "ترومان" من قناة السويس مع تعطيل نظام التعريف الآلي (AIS) كان عاملاً رئيسياً في الحادث.فالملاحة الليلية دون تشغيل نظام التعريف الآلي (AIS) تنطوي على مخاطر كبيرة بسبب عدم وجود تتبع فوري السفن. وبدونه، لا تستطيع السفن الأخرى رؤية موقع السفينة ومسارها وسرعتها على أنظمة الملاحة الخاصة بها، مما يزيد من احتمالية التصادم، لا سيما في المناطق ذات الكثافة المرورية العالية. علاوة على ذلك، فإن ضعف الرؤية في وقت الحادث، الذي وقع حوالي الساعة 11:45 مساءً، زاد من صعوبة تفادي التصادم. ففي الليل، تنخفض قدرة الكشف البصري بشكلٍ كبير، وبدون تشغيل نظام التعريف الآلي AIS، تعتمد السفن فقط على الرادار وأطقم المراقبة البصرية.

ومع ذلك، لم تتعرض كل من ترومان وبيشيكتاش-إم سوى لأضرار طفيفة. اضطرت حاملة الطائرات إلى التوقف لفترة وجيزة فقط في الميناء، بينما تمكنت السفينة التجارية التي ترفع علم بنما من مواصلة رحلتها إلى كونستانتا، رومانيا. ساهم عاملان رئيسيان في تصنيف الحادث على أنه تصادم منخفض الشدة:أولاً، وقع الاصطدام عند سرعة إبحار منخفضة (أقل من 5 عقد)، مما أدى إلى حدوث أضرار في الهيكل فوق خط الماء فقط.ثانياً، يبلغ طول بيشيكتاش-إم 188.5متراً، وبحمولة ساكنة قدرها 53,000 طن، مما يجعلها سفينة شحن صغيرة نسبياً. لو اصطدمت سفينة أكبر حجماً بحاملة الطائرات ترومان، لكان التأثير قد تسبب في أضرار أكثر خطورة، وربما هدد سلامة هيكل السفينة بشكلٍ أكبرٍ.

سفينة الإمداد "يو إس إن إس بيج هورن": معضلة خط إمداد الوقود

في 23 سبتمبر 2024، تعرضت ناقلة الوقود من فئة "كايزر" يو إس إن إس بيج هورن لحادث اصطدام تحت الماء بمؤخرتها بعد استكمال عملية تزويد الوقود أثناء الإبحار مع مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس لينكولن" القتالية في بحر العرب قبالة سواحل عمان.[17] وبينما لا تزال الظروف المحيطة بالحادث غير واضحة، أدى الاصطدام إلى غمر إحدى غرف الآلات في الجزء الخلفي من السفينة بالمياه وتضرر أحد دفات القيادة، مما تسبب في جنوح الناقلة. وفي نهاية المطاف، تم إنقاذ "بيج هورن" بواسطة قاطرات في اليوم التالي، حيث تم سحبها إلى ميناء الدقم في عُمان لإجراء الإصلاحات اللازمة.[18]

كانت "بيج هورن" متواجدة في مياه الشرق الأوسط لدعم عمليات مجموعتي حاملة الطائرات "يو إس إس لينكولن" و"يو إس إس ثيودور روزفلت" (CVN-71)، اللتين كانتا متمركزتين في بحر العرب كجزء من الأنشطة البحرية الأمريكية لردع ومواجهة هجمات الحوثيين على الشحن الدولي. [19] ومع مغادرة "يو إس إس روزفلت" منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) بعد انتشار دام ثمانية أشهر في منتصف سبتمبر 2024، ,[20] كانت المهمة الأساسية لناقلة الوقود من فئة "كايزر" هي إعادة تزويد الجناح الجوي المتمركز على متن "يو إس إس لينكولن" بالوقود النفاث، بالإضافة إلى دعم السفن المرافقة لحاملة الطائرات.

أدى خروج "بيج هورن" من الخدمة إلى تدهور الجاهزية القتالية التشغيلية لمجموعة "يو إس إس لينكولن" القتالية، مما أجبر واشنطن على إعادة تقييم وضعها البحري المتقدم بسرعة. وبعد أيام قليلة من الحادث، عبرت بعض السفن المرافقة لمجموعة "يو إس إس لينكولن" القتالية مضيق باب المندب شمالاً، واتخذت مواقع لها في البحر الأحمر بالقرب من محطات الوقود السعودية.[21] وبينما واصلت "يو إس إس لينكولن" عملياتها في بحر العرب، فقد أثر عدم وجود مصدر موثوق لإمدادات الوقود النفاث على عمليات الطيران الروتينية، مما أدى على الأرجح إلى تقليل عدد ومدى الطلعات الجوية اليومية.

ولتدارك خطر تعطل خط إمداد الوقود أثناء الإبحار لحاملة الطائرات "يو إس إس لينكولن"، لجأت الولايات المتحدة إلى توظيف مجموعة من الحلول المؤقتة. أولًا، قامت بتعبئة سفينتي شحن جاف من فئة "لويس وكلارك" التابعتين للأسطول الخامس، وهما "يو إس إن إس أميليا إيرهارت" (T-AKE-6) و"يو إس إن إس آلان شيبرد" (T-AKE-3)، للقيام بعمليات التزويد بالوقود في البحر. لكن، ورغم استجابتهما السريعة، لم تتمكنا من مجاراة كميات الوقود النفاث التي كانت تنقلها "بيج هورن". حيث تبلغ سعة "بيج هورن" لنقل الوقود 28,300 متر مكعب، بينما تقتصر سعة سفن الشحن الجاف على حوالي 2,900 متر مكعب، مما أجبر "إيرهارت" و"شيبرد" على قضاء ساعات إضافية في البحر لتلبية احتياجات "لينكولن" من الوقود. ثانياً، استعانت البحرية الأمريكية بناقلة تجارية استأجرتها قيادة النقل البحري العسكري (MSC)، وهي المؤسسة الوطنية المسؤولة عن توفير النقل البحري للقوات الأمريكية المنتشرة,[22] لنقل الوقود النفاث إلى مجموعة "يو إس إس لينكولن" القتالية.[23] وعلى الرغم من فعالية هذه الخطوة، إلا أن السفينة احتاجت إلى تعديلات متخصصة لإجراء عمليات التزوُّد بالوقود في البحر، مما أدى إلى تأخير وصولها إلى موقع العمليات.[24] وأخيراً، تمت إعادة تكليف ناقلة الوقود "يو إس إن إس راباهانوك" (T-AO 204)، التابعة للأسطول السابع الأمريكي (المحيط الهادئ)، للعمل ضمن منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية.[25] لكن استغرق الأمر عدة أسابيع قبل أن تتمكن "راباهانوك" من إعادة الانتشار من مكان تمركزها في يوكوسوكا باليابان إلى بحر العرب لتحل محل "بيج هورن".

الآثار الإستراتيجية على البحرية الأمريكية

سلطت هذه الأزمات الضوء على نقاط قوة القوات المنتشرة في الخارج، خاصةً استجابة واحترافية ومهنية أفرادها العسكريين والمدنيين. لقد اتخذ المخططون الإستراتيجيون قرارات سريعة استجابةً للتحديات الطارئة للحفاظ على فعالية العمليات، مما أبرز كيف يمكن أن تعزز الأصول والأفراد المنتشرين مسبقاً في مسارح العمليات المختلفة من سرعة الاستجابة. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت فرق الدعم من مركز الصيانة FDRMC وقاعدة الدعم البحري "سودا باي" التزاماً لا يكل، حيث عملوا على مدار الساعة لإعادة حاملة الطائرات إلى مكان تمركزها في البحر الأحمر. وبالمثل، أظهر البحارة المدنيون على متن سفن الإمداد التابعة لقيادة النقل البحري العسكري MSC التي تدعم مجموعة حاملة الطائرات يو إس إس لينكولن CSG كفاءة استثنائية أثناء أداء مهام مزدوجة في بيئة عالية التهديد.

ومع ذلك، على الرغم من أن الحوادث التي تعرضت لها حاملة الطائرات يو إس إس ترومان وسفينة الإمداد يو إس إن إس بيج هورن لم تُحدث أضراراً بشكلٍ لا يمكن إصلاحه بعمليات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، فإنها كشفت عن الثغرات الأساسية في هيكل الدفاع الإقليمي وقدرات دعم الأسطول.تعطي هذه الأحداث دروساً هامة للمؤسسة العسكرية والسياسية في واشنطن حول كيفية تعزيز التواجد البحري الأمريكي المتقدم.

تُعد حاملة الطائرات النووية واحدة من أقوى الأدوات في الترسانة العسكرية الأمريكية، حيث تلعب دوراً حاسماً في إظهار قوة الولايات المتحدة العسكرية وردع خصومها. وبالتالي، فإن فقدان مثل هذه الأداة الإستراتيجية لتمركزها بشكلٍ قسري يُعد ضربة قوية للمكانة الدفاعية الأمريكية. لحسن الحظ، تزامن الحادث الذي تعرضت له حاملة الطائرات ترومان مع فترة هدوء في الهجمات الحوثية على الشحن الدولي ومرحلة هادئة في المواجهة المتبادلة بالصواريخ بين إسرائيل وإيران. ومع ذلك، لو كانت حاملة الطائرات قد غادرت المنطقة في ذروة التصعيد العسكري بين تل أبيب وطهران إبان ضربات الصواريخ والطائرات بدون طيار في أبريل وأكتوبر 2024، لكان ذلك قد عرض أمن القدرات والقوات العسكرية الأمريكية المُتقدمة المُنتشرة في المنطقة وحلفائها الإقليميين للخطر. بالإضافة إلى ذلك، سلطت الحاجة إلى نقل فريق الصيانة FDRMC من نابولي إلى كريت لإجراء إصلاحات على “ترومان” الضوء على الاعتماد على أفراد من خارج أمريكا، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث تأخيرات. بالمقابل، يبدو أن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في وضع أفضل بفضل قاعدة الدعم البحري بالبحرين، التي تستضيف وحدة فريق صيانة دائمة.

وفي الختام أدى جنوح وتوقف سفينة الإمداد يو إس إن إس بيج هورن إلى الكشف عن وجود أوجه قصور كبيرة في قدرة البحرية الأمريكية على تنفيذ مهام انتشار بحرية مستدامة في نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، مما يبرز العلاقة القوية بين إظهار القوة وعمليات التزوُّد بالوقود في البحر. فعندما يكون هناك نقص في الوقود لدعم الطائرات المقاتلة والسفن الحربية المرافقة، فإن الجاهزية العملياتية للمجموعة القتالية تضعف بشكلٍ كبيرٍ، مما يُعرِّض السفن الحربية والأفراد العسكريين للتهديدات المعادية.وللحد من نقص سفن الإمداد، سعت الولايات المتحدة إلى توسيع أسطول قيادة النقل البحري العسكري MSC من خلال الحصول على عدة وحدات من سفن الإمداد الحديثة ذات الهيكل المزدوج، والمعروفة باسم سفن التزوُّد بالوقود من فئة جون لويس.[26] ومع ذلك، وبالرغم من الجهود المبذولة، يرى الخبراء العسكريون أن قدرة أسطول التزوُّد بالوقود للبحرية الأمريكية ستظل أقل بكثير من احتياجاتها العملياتية.[27] بالإضافة إلى ذلك، يزيد النقص الهيكلي في أطقم البحارة المدنيين المؤهلين من تعقيد قدرة قيادة النقل البحري العسكري على تنفيذ عمليات إمداد طويلة الأمد.[28]

إن معالجة هذه الفجوات المقلقة ستظل أمراً حاسماً للحفاظ على قدرة البحرية الأمريكية على الانتشار أو العمل في مناطق جغرافية متعددة حول العالم والجاهزية القتالية. إن القدرات اللوجستية وإجراء الصيانة تلعب دوراً محورياً في ضمان استدامة العمليات البحرية الحالية وأمن الأفراد العسكريين والمدنيين للبحرية الأمريكية في المياه الإقليمية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، ستكون هذه القدرات أكثر أهمية في حالة وقوع صراع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تمتد خطوط إمدادات النفط لآلاف الأميال البحرية وتنتشر مرافق الصيانة عبر مسرح عمليات واسع النطاق. على الرغم من أن فرق الدعم اللوجستي والإصلاحات غالباً ما تعمل خلف الخطوط الأمامية وفي الظل، فإن الحوادث المتعلقة بحاملة الطائرات يو إس إس ترومان وسفينة الإمداد يو إس إن إس بيج هورن قد أظهرت مدى أهمية فرق الدعم اللوجستي البحرية ومرشدي التجارة المدنية التابعين لقيادة النقل البحري العسكري في قدرة واشنطن على إجراء عمليات طويلة الأمد بعيداً عن الموانئ الرئيسية. ومع تزايد التحديات التي تواجه الخدمات اللوجستية وصيانة الأسطول، قد تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب للحفاظ على المرونة العملياتية الحيوية في البحر.

بيان إخلاء المسؤولية:

الآراء والأفكار الواردة في سلسلة منشورات "رؤى وآراء" تعبر عن وجهات نظر كتّابها فقط، ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف مركز ربدان للأمن والدفاع أو أي من الجهات التابعة له أو أي جهة حكومية. يُنشر هذا المحتوى لأغراض إعلامية، ويعكس الرؤى الشخصية للمؤلفين حول مواضيع متنوعة تتعلق بالأمن والدفاع.


[1] U.S. Naval Forces Europe and Africa / U.S. Sixth Fleet, “USS Harry S. Truman Involved in Collision at Sea,” February 13, 2025, https://www.c6f.navy.mil/Press-Room/News/Article/4065260/uss-harry-s-truman-involved-in-collision-at-sea/

[2] Sam LaGrone, “Oiler USNS Big Horn Damaged off the Coast Of Oman, No Fuel Leak Detected,” USNI News, September 24, 2024, https://news.usni.org/2024/09/24/oiler-usns-big-horn-damaged-off-the-coast-of-oman-no-fuel-leak-detected

[3] Maya Salam, “Previous Collisions Involving U.S. Navy Vessels,” The New York Times, August 21, 2017, https://www.nytimes.com/2017/08/21/us/navy-collisions-history-mccain-fitzgerald.html

[4] Heather Mongilio, “Harry S. Truman Carrier Strike Group In Middle East,” USNI News, December 16, 2024, https://news.usni.org/2024/12/16/harry-s-truman-carrier-strike-group-in-middle-east.

[5] Alison Bath, “US forces strike Houthi command hub in Yemen; USS Truman sails in Middle East,” Stars and Stripes, December 17, 2024, https://www.stripes.com/branches/navy/2024-12-17/houthis-yemen-truman-strikes-16192963.html; United States Africa Command, “STRIKE USS Harry S. Truman (CVN 75),” February 1, 2025, https://www.africom.mil/images/35703/strike-uss-harry-s-truman-cvn-75.

[6] Heather Mongilio, “Carrier USS Harry S. Truman Back in Mediterranean After 50 Days in Red Sea,” USNI News, February 6, 2025, https://news.usni.org/2025/02/06/carrier-uss-harry-s-truman-back-in-mediterranean-after-50-days-in-red-sea

[7] NSA Souda Bay, “About,” https://cnreurafcent.cnic.navy.mil/Installations/NSA-Souda-Bay/About/.

[8] U.S. Naval Forces Europe and Africa / U.S. Sixth Fleet, “USS Harry S. Truman Involved in Collision at Sea,” op. cit.

[9] What's Going on With Shipping?, “Naval Collision: Aircraft Carrier USS Truman & Panama-flag Bulk Carrier Collides Off Egyptian Coast,” February 13, 2025, https://youtu.be/OqRe-ouavjw?si=8xm6sSN6rHsftKUk.

[10] Sam LaGrone, “Carrier USS Harry S. Truman Hull Pierced in Collision, Heading to Port for Repairs,” USNI News, February 14, 2025, https://news.usni.org/2025/02/14/carrier-uss-harry-s-truman-hull-pierced-in-collision-heading-to-port-for-repairs

[11] U.S. Naval Forces Europe and Africa / U.S. Sixth Fleet, “USS Harry S. Truman conducts emergent repair availability,” February 16, 2025, https://www.c6f.navy.mil/Press-Room/News/Article/4068846/uss-harry-s-truman-conducts-emergent-repair-availability/

[12] Naval Sea Systems Command, “Forward Deployed Regional Maintenance Center,” https://www.navsea.navy.mil/Home/RMC/FDRMC/.

[13] U.S. Naval Forces Europe and Africa / U.S. Sixth Fleet, “USS Harry S. Truman conducts emergent repair availability,” February 16, 2025, https://www.c6f.navy.mil/Press-Room/News/Article/4068846/uss-harry-s-truman-conducts-emergent-repair-availability/

[14] U.S. Naval Forces Europe and Africa / U.S. Sixth Fleet, “Mission and purpose on full display as Truman returns to sea,” February 24, 2025, https://www.c6f.navy.mil/Press-Room/News/Article/4075822/mission-and-purpose-on-full-display-as-truman-returns-to-sea/

[15] America’s Navy, “Commanding Officer of USS Harry S. Truman Relieved,” February 20, 2025, https://www.navy.mil/Press-Office/Press-Releases/display-pressreleases/Article/4072087/commanding-officer-of-uss-harry-s-truman-relieved/

[16] Heather Mongilio, “USS Harry S. Truman Back Underway After Repairs Following Collision,” USNI News, February 24, 2025, https://news.usni.org/2025/02/24/uss-harry-s-truman-back-underway-after-repairs-following-collision

[17] Sam LaGrone, “Oiler USNS Big Horn Damaged off the Coast Of Oman, No Fuel Leak Detected,” op. cit.

[18] Sam LaGrone, “Oiler USNS Big Horn Now in Port in Oman as Congress Raises Questions Over Logistics Fleet,” USNI News, September 25, 2024, https://news.usni.org/2024/09/25/oiler-usns-big-horn-now-in-port-in-oman-as-congress-raises-questions-over-logistics-fleet

[19] Jim Garamone, “USS Lincoln Strike Group Arrives in U.S. Central Command,” U.S. Department of Defense, August 22, 2024, https://www.defense.gov/News/News-Stories/Article/Article/3882120/uss-lincoln-strike-group-arrives-in-us-central-command/

[20] Sam LaGrone, “USS Theodore Roosevelt Leaves Middle East, Carrier Back in Pacific After 8 Months Deployed,” USNI News, September 12, 2024, https://news.usni.org/2024/09/12/uss-theodore-roosevelt-leaves-middle-east-carrier-headed-home-after-8-months-deployed

[21] Heather Mongilio, “U.S. Warships Fire a Dozen Interceptors Against Iranian Missile Attack,” USNI News, October 1, 2024, https://news.usni.org/2024/10/01/u-s-warships-fire-a-dozen-interceptions-against-iranian-missile-attack-against-israel

[22] U.S. Navy’s Military Sealift Command, “MSC Mission,” https://www.msc.usff.navy.mil/About-Us/Mission/.

[23] Salvatore R. Mercogliano, “For Want of an Oiler: The Fragile State of America’s Afloat Logistics Fleet,” gCaptain, December 2, 2024, https://gcaptain.com/for-want-of-an-oiler-the-fragile-state-of-americas-afloat-logistics-fleet/

[24] John Konrad, “US Navy Oiler Runs Aground, Forcing Carrier Strike Group to Scramble for Fuel,” gCaptain, September 24, 2024, https://gcaptain.com/us-navy-oiler-usns-big-horn-aground-forcing-carrier-strike-group-to-scramble-for-fuel/

[25] Defense Visual Information Distribution Service, “Abraham Lincoln conducts a fueling-at-sea with Rappahannock,” October 21, 2024, https://www.dvidshub.net/image/8730963/abraham-lincoln-conducts-fueling-sea-with-rappahannock

[26] Conrad Waters, “Sustaining the fleet: current logistic support ship acquisitions,” European Security and Defence, November 4, 2024, https://euro-sd.com/2024/11/articles/41272/sustaining-the-fleet-current-logistic-support-ship-acquisitions/

[27] Stephen M. Carmel, “Tankers For The Pacific Fight: A Crisis in Capability,” Center for International Maritime Security, January 23, 2023, https://cimsec.org/tankers-for-the-pacific-fight-a-crisis-in-capability/; John Konrad, “US Navy Oiler Runs Aground, Forcing Carrier Strike Group to Scramble for Fuel,” op. cit.; Salvatore R. Mercogliano, “For Want of an Oiler: The Fragile State of America’s Afloat Logistics Fleet,” op.cit.

[28] Sam LaGrone, “Navy Could Sideline 17 Support Ships Due to Manpower Issues,” USNI News, August 22, 2024, https://news.usni.org/2024/08/22/navy-could-sideline-17-support-ships-due-to-manpower-issues

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

An error has occurred. This application may no longer respond until reloaded. Reload 🗙