10 فبراير 2025
أصبح العالم اليوم أكثر تعقيداً وتوتراً، حيث تشهد مناطق عدة مثل أوروبا والشرق الأوسط وحوض المحيطين الهندي والهادئ تصاعداً في الأزمات العسكرية. وتشعر العديد من الدول بالقلق من احتمال نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين. وفي هذا السياق، تعمل القوات الجوية على تقييم جاهزيتها، بما في ذلك قدرتها على الاستجابة السريعة للتحديات الإستراتيجية المفاجئة.
لا يقتصر تعزيز القدرة على الصمود فقط على زيادة فعالية القوة الحالية، ولكنها تحتاج إلى أكثر من ذلك. كما قال رئيس هيئة الأركان الجوية في 8 مايو 2024، "القدرة على الصمود وحدها ليست كافية". عقب التعامل مع الأزمة الأولى، تصبح القدرة على الصمود عاملاً أساسياً. وبشكلٍ عام، يمكن تعريف القدرة على الصمود على أنها القدرة على التعافي من الصدمات الإستراتيجية.
إذا كانت تلك الصدمة تتمثل في حرب كبرى، فإن القوات الجوية قد تفقد العديد من الطائرات والمرافق والأفراد ذوي المهارات العالية. في هذه الحالة، قد يتساءل الناجون عن كيفية المضي قدماً. هذا ما واجهته أوكرانيا في عام 2022، وهو سيناريو لم يعد بعيد المنال. وعلى الرغم من كونه مثالاً للأسوأ، فإنه يمكن للتفكير في مثل هذه السيناريوهات أن يوفر رؤى قيمة حتى في الظروف الأقل إلحاحاً.
يمكن تصور القدرة على الصمود على أنها مكون يشمل عنصرين رئيسيين: الأول هو "الاستيعاب" الذي يُقلل من تأثير الصدمة، والثاني هو "التكيُّف" الذي يُركز على التعافي والعودة إلى حالة الاستقرار. تتراوح هذه العودة إلى حالة الاستقرار بين: النجاة من صدمة بشكلٍ طفيف؛ أو الاستمرار في العمل تحت تأثير الصدمة؛ أو التعافي من الصدمة والعودة إلى الوضع الأصلي؛ أو استيعاب الصدمة والتطور استجابةً لها (ليتون، 2021).
يُناقش هذا المقال مفهوم القدرة على الصمود في سياق القوات الجوية، خاصة في القوات الجوية الأقل حجماً التي تعد أكثر حساسية للصدمات الإستراتيجية. هناك أربعة أهداف إستراتيجية بديلة يمكن أن تختارها القوات الجوية عند التخطيط لتعزيز جاهزيتها وقدرتها على الصمود. عند التمعن في بدائل القدرة على الصمود التي يمكن تبنيها، تتمتع القوات الجوية الصغيرة بقدر من الاستقلالية وحرية اتخاذ القرارات، وإن كان ذلك ضمن حدود صارمة تفرضها الاعتبارات العملية المتمثلة في قلة عدد الأفراد، والقدرات العسكرية المحدودة، والتمويل المحدود.
اجتياز الصدمة بأقل الخسائر
يهدف هذا الخيار إلى الحفاظ على وجود محدود للمؤسسة العسكرية بعد الصدمة. في حال نشوب نزاعٍ كبيرٍ تتورط فيه قوات جوية صغيرة الحجم، يصبح بقاء بعض العناصر الأساسية المقياس الأساسي للنجاح. ومن المقبول فقدان بعض مكونات القوات الجوية بهدف ضمان بقاء العناصر الأخرى التي تُعتبر أساسية لفترة ما بعد الحرب.
يمكن أن تتخلى القوات الجوية الصغيرة عن بعض عناصرها، مثل الطائرات أو قدرات النقل الجوي، التي يمكن تعويضها بواسطة موارد مدنية بعد الصدمة. كما أن القدرات التدريبية قد تكون العنصر الأكثر أهمية، حيث تضمن إعادة بناء القوات الجوية بعد الصدمة. يشمل الخيار البديل للقدرة على الصمود أيضاً الحماية والحفاظ على العناصر الضرورية من ذوي المهارات العالية والطائرات ومعدات الصيانة ومخزون قطع الغيار لاستمرار العمليات بعد الحرب.
سيكون تقييم القدرة على استئناف العمليات الجوية المستهدفة في فترة ما بعد الحرب من العوامل الهامة التي يجب أخذها في الاعتبار. بالنسبة للقوات الجوية صغيرة الحجم، تستلزم عملية إعادة التشغيل هذه الوصول إلى سلاسل الإمداد العالمية المناسبة؛ وإذا تبين أن ذلك غير ممكن، فقد يتطلب الأمر تعديل العناصر الجوية التي تُعتبر أساسية للبقاء. على سبيل المثال، في حال نشوب حرب كبرى بين الولايات المتحدة والصين، سيؤدي ذلك إلى تغييرات كبيرة في بيئة سلاسل الإمداد الدولية.
في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، اعتمدت القوات الجوية الإيرانية على هذا النوع من القدرة على الصمود. وتم الاحتفاظ بعناصر القتال الجوي القادرة على تنفيذ عمليات الضربة الإستراتيجية في حالة الاستعداد والاحتياط لتوفير الردع ضد الهجمات الجوية العراقية المستقبلية.
كانت القوات الجوية الإيرانية شديدة الحساسية تجاه الخسائر، حيث لم يكن من السهل تعويض الخسائر، مما فرض قيوداً شديدة على استخدام العناصر الجوية الرئيسية. واتبع العراق نهجاً مشابهاً في ذلك الوقت (بيرجكويست، 1988).
استمرار العمليات في ظل الصدمة
يسعى هذا الخيار لمواصلة العمليات الجوية لأطول فترة ممكنة في ظل الصدمة. يتضمن ذلك تحديد الأولويات في العمليات الجوية التي ستظل ضرورية خلال النزاع. قد تشمل هذه العمليات عناصر رئيسية للقتال الحربي مثل قوة الدفاع الجوي المقاتلة. مثال على ذلك الجهود التي بذلتها القوات الجوية الأوكرانية للحفاظ على قوتها المقاتلة في الأيام الأولى من الغزو الروسي (أرول، 28 يونيو 2022).
العنصر الأساسي هنا هو "مدة العمليات". تُحدد هذه الفترة الزمنية كيفية إدارة قادة القوات الجوية لمعدل الخسائر التي تصيب الطائرات والمرافق والأفراد تدريجياً بعد فترة السلام. الهدف من العمليات الجوية هو تحقيق توازن مدروس بين معدلات الخسائر والاستنزاف والاحتياجات العملياتية، مع السعي لمواصلة العمليات طالما استمرت الصدمة.
ومن المهم أيضاً حماية العناصر الجوية الحيوية المستهدفة. كما تم الإشارة، يتضمن الصمود عنصر استيعاب الصدمة الذي يقلل من تدهور وانهيار أداء النظام المُتضرر. نظراً للتهديدات من أنظمة الأسلحة بعيدة المدى المعادية، يهدف هذا المفهوم إلى "خلق وضع أكثر صموداً للقوات" يمكنه مواصلة العمليات الجوية القتالية من خلال إعادة تموضع الأصول عبر نشر شبكة القواعد الجوية ومواقع العمليات الطارئة كنوع من المناورة والخداع. بحيث تتحرك الطائرات، والوقود، والأسلحة، وقطع الغيار، والمعدات، والطاقم الجوي والأرضي باستمرار بين مواقع مختلفة لجعل العدو غير متأكد من مكان الهجوم. ويتم تعزيز الصمود بشكلٍ أكبرٍ من خلال القدرة على إعادة بناء وإصلاح أي بنية تحتية تضررت نتيجة لتلك الهجمات العدائية التي تم تنفيذها.
مثال على هذا الشكل من الصمود هو العمليات الجوية المرنة للقوات الجوية الملكية الأسترالية. (وزارة الدفاع، 2023).
التعافي من الصدمة والعودة للوضع الأصلي
مقياس النجاح لهذا البديل هو الوقت الذي يستغرقه العودة إلى الحالة التي كانت عليه قبل الصدمة. غالباً ما يكون هذا ما يفكر فيه الناس عندما يفكرون في بناء القدرة على الصمود. يشمل هذا البديل إعادة بناء القوة المتضررة مع تجنيد وتدريب أفراد جدد لتعويض من تم فقدهم.
يجب دراسة التدابير التي يتم اتخاذها لتحقيق هذه الحالة المستقرة للصمود على مستوى القيادة الإستراتيجية للقوات الجوية. هنا، يمكن إعداد خطط لإعادة توزيع الموارد بشكلٍ سريعٍ وفعَّالٍ عبر هذه المؤسسة العسكرية بأكملها عند حدوث الصدمة. تثير هذه الطريقة تساؤلات حول العناصر التي قد تكون الأسرع عند إعادة تكوينها، وبالتالي قد تكون الأنسب للتضحية بها لحماية العناصر التي يصعب استعادتها وتعافيها.
ومن المحتمل أن يكون الأفراد الذين يتمتعون بالمهارة هم الأصول التي تستغرق وقت أطول لتطويرها، حيث يتطلب ذلك وجود منشأة تدريب بحجمٍ مناسب. وبالتالي، قد تحتاج القوات الجوية إلى توسيع قدرتها التدريبية قبل البدء في إعادة تكوين عناصرها المتضررة من الحرب. وقد يكون معدل توسيع قاعدة التدريب عاملاً حاسماً. وقد أثبتت أوكرانيا خلال النزاع الحالي مع روسيا أهمية التعاون مع الحلفاء لتسريع استعادة القدرة الجوية من خلال تدريب أعداد أكبر من الأفراد مقارنةً بالاعتماد على القدرات الوطنية فقط. كما استفادت القوات الجوية الأوكرانية من استلام بعض الطائرات والمعدات والأسلحة من داعميها الدوليين بشكلٍ عاجل. إذا تم اختيار هذا النوع من القدرة على الصمود، فمن المهم تعزيز العلاقات الجيدة مع الحلفاء والشركاء من القوات الجوية الأخرى قبل حدوث الصدمة (سوشيو، 24 أكتوبر 2024). يتطلب هذا البديل من الصمود إقناع الشركاء الذين يمكنهم توفير العناصر المطلوبة، لكنه يوفر مساراً محتملاً أسرع للتعافي.
من السهل تصور هذا النوع من القدرة على الصمود: إذا كانت القوات الجوية قد تم بناؤها من قبل، فإنه يمكن إعادة بنائها مرة أخرى. ومع ذلك، قد يكون العودة إلى الشكل الوظيفي الأصلي له عيوب إستراتيجية، حيث من المحتمل أن تكون الحرب قد كشفت عن ضعفٍ كبيرٍ في قدرات ومواطن القوة في فترة ما قبل الحرب. إذا لم يكن تصميم القوات الجوية قادراً على منع اندلاع الصراع في البداية، فهل سيكون قادراً الآن على تحقيق النصر فيه؟
استيعاب الصدمة والتطور استجابةً لها
هذا البديل هو الأكثر صعوبة من الناحية التنفيذية، حيث يعتمد على القدرة على مواصلة العمليات الجوية رغم الضغوط التي يفرضها الصراع والصدمات المستمرة. قد يبدو أن القوة الجوية الحالية هي النموذج الأمثل استناداً إلى الأنماط المُعتادة وعمرها الزمني وصعوبة تخيل شيءٍ مختلف. ومع ذلك، في حالة حدوث صراع، قد تتعرض القوات الجوية الصغيرة للخسائر السريعة مما يستدعي إعادة التفكير بشكلٍ جذري، خصوصاً إذا كان التعافي من الصدمة والعودة للوضع الأصلي أمراً غير ممكناً عملياً.
مقياس النجاح هو القدرة على الاستمرار في تنفيذ العمليات الجوية حتى نهاية الصراع، بالإضافة إلى تلبية المتطلبات العملياتية الجديدة المتعلقة بالقدرة والاستيعاب حال ظهورها. وقد ساعد التقدم التكنولوجي مؤخراً في مجال التكنولوجيا الرقمية وانتشار هذه التكنولوجيا عبر معظم المجتمعات إلى جعل هذا النوع من الصمود والقدرة على الصمود أكثر قابلية للتحقيق بالنسبة للقوات الجوية مقارنة بما كان عليه في السابق.
في العادة، كانت القوات الجوية تعتمد بشكلٍ رئيسي على الطائرات المأهولة وهياكلها التدريبية والداعمة. ومع ذلك، أدت التكنولوجيا الحديثة إلى تقليص الاعتماد على هذا النموذج، حيث أصبحت القوات الجوية قادرة على استخدام الصواريخ، والصواريخ الموجهة، والصواريخ الباليستية، وأنواع مختلفة من الطائرات بدون طيار الكبيرة منها والصغيرة. ولقد تحولت العمليات الجوية من كونها متجانسة في طبيعتها من نموذج موحد إلى أن أصبحت غير متجانسة من حيث التنوع في الأساليب والتقنيات المستخدمة.
تُعد الحرب الأوكرانية مثالاً على البديل الثابت للصمود من خلال استيعاب الصدمة والتطور استجابةً لها. عندما عانت القوات الجوية الروسية والأوكرانية من خسائر غير مستدامة في طائراتها المأهولة ومروحياتها خلال الأشهر الأولى من النزاع، سرعان ما تحولتا إلى تشكيل وتشغيل هياكل قوات متنوعة. أدت استجابتهما لهذا التغيير إلى التحوُّل من التركيز على الطائرات المأهولة إلى استخدام الأنظمة غير المأهولة من أنواع وقدرات مختلفة.
الخاتمة
تُعدّ القوات الجوية منظومات معقدة تجمع بين الأفراد والمعدات، وهي بطبيعتها ليست قادرة على الصمود، مما يستوجب تصميمها بحيث تتمتع بهذه الخاصية. يمكن أن يُسهم تناول القضايا الأربع الرئيسية لتخطيط الصمود في دعم هذا التصميم، لا سيما من خلال الفهم الأعمق للمستوى المطلوب من الصمود في الظروف المستقرة: البقاء، استمرار العمليات، التعافي والعودة إلى الحالة الأصلية، أو التطور استجابةً للصدمات.
يتطلب الصمود أخذ العديد من العوامل في الاعتبار قبل وقوع الصدمات. والحقيقة أن الصمود أصبح فجأة موضوعاً رائجاً يُعد في حد ذاته صدمة، ويعكس حجم التهديدات التي تواجه القوات الجوية الصغيرة في هذا الزمن الخطر. حان الوقت للتفكير بعمق في الصمود.
Kenny, M. (2022, June 28). The Key to Maximizing the Air Force’s Agile Combat Employment Concept? The Army. Modern War Institute. https://mwi.westpoint.edu/the-key-to-maximizing-the-air-forces-agile-combat-employment-concept-the-army/.
Bergquist, R. (1988). The Role of Airpower in the Iran-Iraq War. Air University Press. https://www.airuniversity.af.edu/Portals/10/AUPress/Books/B_0025_BERGQUIST_AIRPOWER_IRANIRAQ.PDF
Chief of Air Force (2024, May 8). Building Readiness and Resilience in National Air and Space Power across the Spectrum of Competition. Air Force. https://www.airforce.gov.au/news-events/speeches-transcripts/building-readiness-and-resilience-national-air-and-space-power-across-spectrum-competition.
Department of Defence (2023). ADF Air Power, Edition 1. Australian Defence Force. https://airpower.airforce.gov.au/sites/default/files/2024-01/ADF-I-3%20ADF%20Air%20Power%20Ed%201.pdf.
Layton, P. (2021). Being Prepared for Unprecedented Times: National Mobilisation conceptualisations and their implications. Griffith Asia Institute. https://www.griffith.edu.au/__data/assets/pdf_file/0021/1327350/Being-prepared-for-unprecedented-times-web.pdf
Iddon, P. (2024, October 24). Ukraine Now Has Hundreds of F-16 Fighter Pilots. National Interest. https://nationalinterest.org/blog/buzz/ukraine-now-has-hundreds-f-16-fighter-pilots-213364