يُعتبر حجم التجارة غير المشروعة بالحياة البرية في إفريقيا أمرًا مذهلًا. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، يُقدّر أن هذا النوع من التجارة يُدرّ ما بين 7 مليارات و23 مليار دولار أمريكي سنويًا، ما يجعله رابع أكثر الأنشطة الإجرامية ربحًا في العالم بعد تجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة.[1]
لقد كانت عمليات الصيد الجائر في إفريقيا، لا سيما ضد الأفيال ووحيد القرن، مدمرة للغاية، حيث دفعت بعض الأنواع إلى حافة الانقراض وأحدثت تغييرات جذرية في النظم البيئية. كما أن الظروف غير الصحية التي تُصطاد فيها الحيوانات وتُنقل وتُعالج بها، تزيد من احتمالية انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ. وبينما من غير المرجّح أن تنقل الأفيال ووحيد القرن الأمراض بشكل مباشر، فإن سلسلة التوريد الأوسع نطاقًا للتجارة غير المشروعة بالحياة البرية – والتي غالبًا ما تشمل لحوم الطرائد والحيوانات الأليفة الغريبة والتجارة بالحيوانات الحية – تُهيّئ الظروف المثالية لظهور الأمراض المعدية الجديدة.
وتؤكد عمليات الضبط الكبيرة لعاج الأفيال وقرون وحيد القرن على تورط جماعات إجرامية منظمة قادرة على نقل كميات ضخمة من البضائع غير المشروعة عبر القارات. وقد تصدّت بعض الدول لهذه العمليات؛ فقد حظرت الصين تجارة العاج المحلية في عام 2018، وشددت فيتنام قوانين حيازة قرون وحيد القرن. ومع ذلك، تعاني أجهزة إنفاذ القانون في دول أخرى من نقص في التمويل، وتراخي في الرقابة على الحدود، وغالبًا ما يكون القضاء بها مُثقلًا أو مُعرّضًا للخطر.فالفساد متفشٍ في دول مثل موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، حيث تنتشر الرشاوى وتُقوّض سيادة القانون.[2]
الوجه القبيح: كيف تؤدي الفجوة بين الطلب المرتفع والفقر إلى مزيد من الصيد الجائر
في حين يصعب تحديد الأرقام الدقيقة نظرًا لطبيعتها السرية، تشير التقديرات إلى أنه بين عامي 2012 و2021 تم ضبط أكثر من 7.5 أطنان من قرون وحيد القرن غير المشروعة حول العالم، ما يدل على ضخامة هذا النوع من التجارة.[3] وتُبرز الأسعار المرتفعة في السوق – حيث قد يصل سعر الكيلوغرام الواحد من العاج إلى آلاف الدولارات – مدى الربحية التي تجذب الشبكات الإجرامية المتطورة.
وتتركز الأسواق المستهلكة الأساسية في شرق وجنوب شرق آسيا، حيث يُقدّر العاج في دول مثل الصين وفيتنام ولاوس لقيمته الجمالية والرمزية، ويُستخدم في النقوش الدينية، والمجوهرات، والتحف المنزلية، وأحيانًا كهدايا تُقدم لطلب النفوذ أو المجاملة وكسب الود. أما قرن وحيد القرن – رغم ثبوت خلوه من أية خصائص علاجية كونه يتكوّن من الكرياتين فقط – فلا يزال يُستخدم في بعض الثقافات كعلاج مزعوم لأمراض مثل الحمى والسرطان. وفي فيتنام، يُمزج أحيانًا مسحوق قرن وحيد القرن مع الكحول ويُستهلك كعلاج مزعوم للصداع الناتج عن الإفراط في تناول الكحول أو كمظهر للثراء بين النخب.[4]
من جهة أخرى، يُعد الفقر عاملًا رئيسيًا في جانب العرض. ففي العديد من المناطق الإفريقية المحاذية للمتنزهات الوطنية أو محميات الحياة البرية الطبيعية، تُعاني المجتمعات من ارتفاع معدلات البطالة ونقص البنية التحتية ومحدودية فرص الحصول على التعليم أو الرعاية الصحية. وفي مثل هذه المناطق، يمثل الصيد الجائر فرصة دخل تتجاوز بكثير البدائل القانونية. فعلى سبيل المثال، بينما قد لا يتجاوز دخل حارس محمية 100 إلى 200 دولار شهريًا، قد تبلغ قيمة ناب فيل واحد عدة آلاف من الدولارات في السوق السوداء.[5]
وتستغل الشبكات الإجرامية هذه الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بتجنيد السكان المحليين الفقراء للعمل كمرشدين أو صائدين أو ناقلين.وغالبًا ما لا يحصل هؤلاء الأفراد إلا على جزء ضئيل من الأرباح، بينما تحصل المنظمات الإجرامية على نصيب الأسد. وفي ظل غياب فرص حقيقية للعيش الكريم، يلجأ العديد من الأفراد إلى الصيد الجائر كخيار اقتصادي واقعي، رغم إدراكهم الكامل لتبعاته القانونية والبيئية.[6]
استغلال الضعف: كيف تستغل الكارتلات العابرة للحدود فساد أجهزة الشرطة في الصيد الجائر
يُفاقم ضعف المؤسسات الحكومية من المشكلة؛ فالفساد متفشٍ على عدة مستويات؛ إذ قد يقوم الحراس بتسريب المعلومات للصيادين الجائرين، وقد يتغاضى مسؤولو الجمارك عن الشحنات المشبوهة، وقد يُرشى أعضاء النيابة العامة لإسقاط التهم. ويستغل المهربون هذه الثغرات في الأنظمة باستخدام الرشوة والتهديدات والتزوير.وغالبًا ما تكشف عمليات الضبط عن شبكات لوجستية منظمة تعمل بدعم من الداخل. فعلى سبيل المثال، تم تتبع شحنات ضخمة من العاج وقرون وحيد القرن تم اعتراضها في موانئ آسيوية إلى حاويات عبرت عدة حدود إفريقية دون تفتيش، مما يشير إلى وجود خلل في الأنظمة أو تواطؤ نشط. وفي قضية شهيرة تُعرف باسم "كارتل بيمبا"، تعاونت السلطات في كينيا وموزمبيق عام 2021 للقبض على أحد أبرز المهربين الذين استغلوا الفساد لتهريب العاج عبر ميناء بيمبا لسنوات.[7]
ويؤدي ازدهار هذه الشبكات إلى تقويض الحوكمة وإضعاف الثقة العامة في مؤسسات الدولة وسيادة القانون. وفي المناطق التي يستفيد فيها المسؤولون من عائدات التجارة غير المشروعة، يصبح تطبيق القانون انتقائيًا أو غائبًا تمامًا، مما يخلق بيئة إفلات من العقاب للمجرمين. ويؤدي هذا إلى تفاقم الاستياء بين السكان المحليين، وقد يُؤجّج حتى عدم الاستقرار، وخاصة في المجتمعات التي خرجت من الصراعات وتحاول إعادة بناء سلطة الدولة.
وفي بعض الحالات، تصبح التجارة غير المشروعة بالحياة البرية جزءًا من شبكات المحسوبية، مما يجعل تفكيكها أمرًا مُكلفًا سياسيًا. فقد يقوم بعض المسؤولين بحماية المهربين مقابل رِشًى أو عمولات أو دعم انتخابي. وبمرور الوقت، يقلل ترسّخ هذه الاقتصادات غير المشروعة من قدرة الدولة على فرض سيادتها، وخصوصًا في المناطق النائية الغنية بالموارد.[8]
وقد استغلت الشبكات الدولية المتطورة هذا الضعف في الحوكمة، وتوسعت في تجارة الحياة البرية نظرًا لربحيتها العالية ومخاطرها المنخفضة نسبيًا من حيث الكشف أو الملاحقة القضائية. وتستخدم هذه العصابات نفس الطرق التي تستخدمها في تهريب المخدرات والملاجئ الآمنة وشبكات غسيل الأموال، ما يجعل التجارة بالحياة البرية جزءًا أصيلاً من الاقتصادات غير المشروعة الأوسع نطاقاً.
في مناطق النزاع، ترتبط التجارة بالحياة البرية بأنشطة الجماعات المسلحة والمتمردة. فجيش الرب للمقاومة، الذي كان نشطًا في أوغندا وجمهورية إفريقيا الوسطى، شارك – بحسب التقارير – في تهريب العاج لتمويل الأسلحة والعمليات. كما ارتبطت حركة الشباب، وهي جماعة جهادية مقرها الصومال، بتهريب العاج عبر شبكات شرق إفريقيا، حيث يُعتقد أنها تتلقى شحنات من الصيادين الجائرين في كينيا أو جنوب السودان مقابل أسلحة. وتُسلط هذه الحالات الضوء على كيفية مساهمة جرائم الحياة البرية بشكل مباشر في تمويل الإرهاب والتمرد، ما يجعلها تهديدًا ليس فقط للحياة البرية، بل للسلام الإقليمي وجهود مكافحة الإرهاب أيضًا.[9]
تطال التجارة غير المشروعة العالم بأسره بما في ذلك الخليج
ورغم أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست من الدول المصدرة الأساسية للعاج وقرون وحيد القرن الإفريقي، إلا أنها تُعد نقاط عبور مهمة لهذه السلع غير المشروعة في طريقها إلى الأسواق الآسيوية. فقد أبلغت مطارات المنطقة، مثل مطارات أبوظبي والشارقة والرياض ومسقط، عن حالات ضبط مرتبطة بالتجارة بالحياة البرية، ما يشير إلى دور المنطقة في سلسلة التوريد العالمية. وتُعد البنية التحتية المتطورة للنقل واللوجستيات في الخليج سيفًا ذا حدين؛ فهي تدعم التجارة المشروعة، لكنها أيضًا قد تُستغل من قبل المهربين.[10]
كما تُعد دول الخليج وجهة لتجارة الحيوانات الأليفة غير المشروعة، مما يؤثر على أنواع مُختلفة مثل الفهود. وهذا يُبرز جانبًا آخر من تجارة الحياة البرية غير المشروعة يؤثر على المنطقة مباشرة.[11]
ومع ذلك، هناك اعتراف متزايد ومشاركة استباقية من عدة جهات داخل مجلس التعاون الخليجي لمكافحة هذه الظاهرة. فعلى سبيل المثال، تُطبق "الإمارات للشحن الجوي" سياسات صارمة تقوم على عدم التسامح إطلاقًا مع التجارة غير المشروعة بالحياة البرية، بما في ذلك حظر تام على بعض جوائز الصيد، وبروتوكولات فحص مُحسّنة. كما تشارك في مبادرات مثل "مشروع فيكيلا"، الذي يهدف إلى استخدام التكنولوجيا للكشف عن منتجات الحياة البرية غير المشروعة في المطارات. وتُشارك حكومة الإمارات أيضًا، بالتعاون مع شركاء دوليين مثل "متحدون من أجل الحياة البرية"، في تطوير أدوات لمساعدة المؤسسات المالية على مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة المرتبطة بالتجارة غير المشروعة بالحياة البرية. وتُظهر هذه الجهود التزامًا حقيقيًا بالتصدي للمشكلة، لا سيما في تعطيل طرق العبور وتعزيز الرقابة المالية، على الرغم من استمرار التحديات في مجالات مثل تجريم جميع جوانب سلسلة التجارة صراحةً، ودمج جرائم الحياة البرية بشكل كامل في أطر مكافحة غسل الأموال في جميع أنحاء المنطقة.[12]
استراتيجيات المواجهة: كيف تتصدى المجتمعات المحلية والمنظمات الدولية لهذه الأنشطة غير المشروعة
خلال العقد الماضي، تكثفت الجهود لمكافحة تجارة العاج وقرون وحيد القرن غير المشروعة. فقد عززت الحكومات الإفريقية وحدات مكافحة الصيد الجائر، واعتمدت عقوبات أكثر صرامة، واستخدمت التكنولوجيا مثل الطائرات دون طيار وأنظمة التتبع عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، في حين سهلت هيئات دولية مثل اتفاقية التجارة الدولية بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض (CITES)، والإنتربول، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تبادل المعلومات الاستخبارية وتنفيذ القوانين عبر الحدود. كما فرضت دول مستهلكة، مثل الصين وفيتنام، حظرًا محليًا ودعمت حملات توعية تهدف إلى تقليل الطلب، مع رسائل موجهة تُفنّد الخرافات الطبية المرتبطة يقرون وحيد القرن وعاجه كرمز للمكانة الاجتماعية.[13]
كما أثبتت مبادرات تمكين المجتمعات المحلية من المشاركة الفعالة في حماية البيئة والحياة البرية، أهميتها البالغة، حيث وفرت سبل عيش بديلة ومكّنت السكان المحليين من أن يصبحوا رعاة فاعلين للحياة البرية. ومن التطورات الواعدة ظهور مبادرات "إعادة الحياة البرية"، التي تسعى إلى استعادة تجمعات الأفيال ووحيد القرن إلى المناطق التي اندثرت منها. وتُعد مشاريع مثل إعادة توطين وحيد القرن الأسود في حديقة أكاجيرا الوطنية في رواندا، وخطة المتنزهات الأفريقية "أفريكان باركس" الطموحة لإعادة توطين 2000 وحيد قرن أبيض في المناطق الطبيعية المحمية، مثالًا على تحول استراتيجي من الاستجابة للأزمات إلى استعادة النظم البيئية. وتهدف هذه الجهود إلى إعادة بناء أعداد الحيوانات والتنوع الجيني، وتقديم رواية مضادة مقنعة عن الدمار الناجم عن التجارة غير المشروعة بالحياة البرية.[14]
بيان إخلاء المسؤولية:
الآراء والأفكار الواردة في سلسلة منشورات "رؤى وآراء" تعبر عن وجهات نظر كتّابها فقط، ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف مركز ربدان للأمن والدفاع أو أي من الجهات التابعة له أو أي جهة حكومية. يُنشر هذا المحتوى لأغراض إعلامية، ويعكس الرؤى الشخصية للمؤلفين حول مواضيع متنوعة تتعلق بالأمن والدفاع.
[1] UNODC (2024) World Wildlife Crime Report 2024: Trafficking in Protected Species, Vienna: United Nations, World_Wildlife_Crime_Report_2024.pdf
[2] Gitau, Leah ‘The Dangers of Wildlife Poaching and Their Impact on the Animal and Human Population’, May 31, 2023, Action for Protection Animals Africa, The Dangers of Wildlife Poaching and Their Impact on the Animal and Human Population
[3] Wildlife Justice Commission ‘Rhino horn trafficking as a form of transnational organised crime 2012-2021: 2022 A Global Threat Assessment’ (Chapter 2: Criminal dynamics of
rhino horn trafficking), Rhino horn trafficking Report - Wildlife Justice Commission
[4] Vigne, Lucy and Esmond Martin, ‘The Ivory Trade of Laos: Now the Fastest Growing in the World’, Save the Elephants 2017, Nairobi, Kenya, 2017-Vigne-Lao-Ivory-Report-web.pdf
[5] Penn State. "Lack of food -- not money -- drives poaching in East African national parks, study finds." ScienceDaily. ScienceDaily, 25 September 2024. www.sciencedaily.com/releases/2024/09/240925143909.htm
[6] Traffic.Org, ‘Nature crimes: the billion-dollar industry bankrolling global criminal networks’, Nature crimes: the billion-dollar industry bankrolling global criminal networks - TRAFFIC - The Wildlife Trade monitoring network
[7] Belecky, Mike et al, ‘Corrupting conservation: Assessing how corruption impacts Ranger work’, WWF, April 2021, Topic-Brief-Corrupting-conservation-Assessing-how-corruption-impacts-ranger-work.pdf
[8] OECD (2018), Strengthening Governance and Reducing Corruption Risks to Tackle Illegal Wildlife Trade: Lessons from East and Southern Africa, Illicit Trade, OECD Publishing, Paris. https://doi.org/10.1787/9789264306509-en
[9] Cakaj, Ledio (2015) ‘Tusk Wars Inside the LRA and the Bloody Business of Ivory’, The Enough Project, Tusk_Wars_10262015.pdf
[10] El Sayed, Nadine ‘Middle East major hub for wildlife trafficking’, Nature Middle East, September 26, 2018, Middle East major hub for wildlife trafficking - Features - Nature Middle East
[11] Bell, Jennifer ‘Cheetahs to chimps: Trafficked wildlife a growing ‘status symbol’ in GCC, experts say’, Al Arabiya, August 23, 2022, Cheetahs to chimps: Trafficked wildlife a growing ‘status symbol’ in GCC, experts say
[12] United for Wildlife, ‘Breaking the Supply Chain: How Emirates is Tackling Illegal Wildlife Trafficking – Sheikh Majid Al Mualla’, August 2023, Breaking the Supply Chain: How Emirates is Tackling Illegal Wildlife Trafficking - Sheikh Majid Al Mualla - United for Wildlife and Emirates Sky Cargo, ‘Combatting the Illegal Wildlife Trade: Emirates SkyCargo Fights to Keep Wildlife Wild’, March 3, 2025, Combatting the Illegal Wildlife Trade: Emirates SkyCargo Fights to Keep Wildlife Wild
[13] Dugbazah, Justina et al, ‘Combatting Poaching And Illegal Logging In Africa Through Conservation Technologies’, August 10, 2021, African Union Development Agency, Combatting Poaching And Illegal Logging In Africa Through Conservation Technologies | AUDA-NEPAD
[14] The Economic Times, ‘African Parks' bold move to save rhinos: Rewilding the world's largest rhino farm’, September 24, 2023, African Parks' bold move to save rhinos: Rewilding the world's largest rhino farm