عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وعاد معه نهجه العدائي تجاه الأصدقاء والأعداء، خاصة في الأمور التي تتعلق بالتجارة. تمثل استراتيجية التعرفة الجمركية التي يتبعها ترامب تطبيقًا متعمدًا للنفوذ الاقتصادي بهدف تعظيم مكاسب الولايات المتحدة في العلاقات التجارية العالمية، فقد نقل الرئيس ترامب استراتيجيته في التفاوض التجاري إلى الساحة الدولية. على غرار الصين، يٌفضل ترامب بكل وضوح المفاوضات الثنائية ويزدري المنظمات متعددة الأطراف، إذ يرى أن الأعضاء الأصغر يستغلون الولايات المتحدة دون تقديم مقابل. لذلك، كيف يمكننا تفسير سلوكه والتنبؤ به، خاصة أنه قد يبدو عشوائيًا للبعض؟ قد يكون من الأفضل النظر إلى سياسات ترامب التجارية من خلال منظور نظرية اللعبة، إذ يمكن لهذا الإطار أن يسلط الضوء على أهدافه، والمخاطر المصاحبة لها، والآثار الأوسع على الاستقرار الدولي. يقدم هذا التحليل دراسة للحسابات الاستراتيجية وراء تكتيكات ترامب التجارية كما ويقدم تقييم لتداعياتها الاقتصادية بعيدة المدى.
لعبة التعرفة الجمركية التي يطبقها ترامب
نظرية اللعبة هي نهج لتحليل التفاعلات الاستراتيجية بين صناع القرار الذين يحكمون المنطق، حيث تعتمد النتائج لكل مشارك على تصرفات الآخرين، مما يجعلها أداة حاسمة لفهم السلوكيات التنافسية والتعاونية في مجالات الاقتصاد والسياسة والعلوم الاجتماعية. يبدو أن نهج ترامب في التجارة يتبع منطق نظرية اللعبة، حيث يعتمد اتخاذ القرارات الاستراتيجية على التنبؤ بسلوك الخصوم والتأثير عليه. إن استعداده لاستخدام التعرفة الجمركية يتماشى مع مفهوم "معضلة السجين"، حيث غالبًا ما يتم تقويض التعاون الأمثل بسبب الحوافز التي تدفع نحو الانشقاق. قد تشمل هذه الحوافز تحقيق مكاسب اقتصادية قصيرة الأجل، وحماية الصناعات المحلية، أو استغلال الاختلالات التجارية لضمان شروط أكثر ملاءمة. في هذا الإطار، يفترض ترامب أن الدول الأخرى - ولا سيما الصين وكندا والمكسيك - ستخضع للضغوط الاقتصادي بدلاً من المخاطرة بحرب تجارية طويلة الأمد (انظر الشكل 1).[1]
ضمن نظرية اللعبة الكلاسيكية، يمثل توازن ناش، الذي سمي على اسم عالم الرياضيات الأمريكي جون ناش، حالة لا يستطيع فيها أي لاعب تحسين موقفه من خلال تغيير استراتيجيته من جانب واحد. تشير زيادات ترامب المتكررة للرسوم الجمركية إلى اعتقاد أن الولايات المتحدة قادرة على إجبار الشركاء التجاريين على الدخول في حالة توازن حيث يتنازلون عن شروط أكثر ملاءمة لتجنب الأضرار الاقتصادية. ومع ذلك، إذا رد الخصوم بالمثل، فإن اللعبة تتحول نحو مواجهة مدمرة وغير مثلى بحيث يعاني فيها جميع الأطراف من خسائر اقتصادية. قد تؤدي الحروب التجارية إلى توازن "خسارة-خسارة" إذا لم يكن أي من الطرفين مستعدًا لتغيير استراتيجيته دون وجود ضمانات بأن الطرف الآخر سيفعل الشيء نفسه.[2] على سبيل المثال، في حالة الصين، قد تؤدي التعرفة الجمركية الانتقامية على الصادرات الزراعية الأمريكية إلى الإضرار بالمزارعين الأمريكيين وزيادة التكاليف على المستهلكين الصينيين. وبالمثل، قد تفرض كلٌّ من كندا والمكسيك، باعتبارهما شريكين تجاريين رئيسيين بموجب اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا (USMCA)، تعرفة جمركية مضادة على السلع الأمريكية، مما يؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار بالنسبة للشركات والمستهلكين على حد سواء. فعلى سبيل المثال، أعلنت كندا في 2 فبراير فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على واردات أمريكية بقيمة 155 مليار دولار، مما أثر بشكل مباشر على الصادرات الزراعية الأمريكية.[3]
يُعَدّ أحد النتائج المترتبة على استراتيجية ترامب انعكاسًا أيضًا لنظرية الالتزام الموثوق، والتي تنص على أن اللاعب يتخذ إجراءات مكلفة أو متطرفة لإقناع الخصوم بعزمه الجاد. إن فرض ترامب تعرفة جمركية مرتفعة، وهو ما يهدد بعدم الاستقرار الاقتصادي، يشير إلى موقف ثابت، وبالتالي زيادة تكلفة المقاومة بالنسبة لشركاء التجارة. يعمل التهديد بالتصعيد المستمر كأداة ردع، مما يجبر الأطراف على التفاوض بدلاً من الدخول في مواجهة طويلة الأمد. على سبيل المثال، في عام 2018، فرضت إدارة ترامب تعرفة جمركية على بضائع صينية بقيمة 50 مليار دولار، مما أظهر موقفًا صارمًا ضد ممارسات الصين التجارية. كشف هذا الإجراء عن استعداد الولايات المتحدة لتحمل تكاليف اقتصادية قصيرة الأجل للضغط على الصين للدخول في مفاوضات، حيث أجبر هذا التهديد الموثوق به باستمرار الاضطراب الاقتصادي الصين على الدخول في مفاوضات تجارية، ما أدى في النهاية إلى التوصل إلى المرحلة الأولى لاتفاق تجاري في عام 2020 [4]، والذي التزمت فيه الصين بزيادة مشترياتها من السلع الأمريكية.[5] ومع ذلك، قد لا تتطور حرب تجارية جديدة بين البلدين في عام 2025 بنفس الطريقة، حيث يمكن لعوامل متغيرة مثل تصاعد التوترات الجيوسياسية وزيادة الترابط الاقتصادي وإمكانية تشكيل تحالفات تجارية متعددة الأطراف أن تؤثر بشكل كبير على الحسابات الاستراتيجية وتقلل من فعالية استراتيجيات التعرفة الجمركية الأحادية. وقد أشار بعض المراقبين أن هناك هدفان رئيسيان لسياسة التعرفة الجمركية التي انتهجها ترامب، وهما:
- الضغط في المفاوضات التجارية: يسعى ترامب إلى إجبار الخصوم، الذين يبدو أنهم جميع الدول التي تتعامل معها الولايات المتحدة تجارياً، على تقديم تنازلات في المحادثات التجارية.وقد ظهر هذا بوضوح في خلافاته الأخيرة مع كندا والمكسيك.
- تحقيق الإيرادات: رَوَّج ترامب أيضًا للتعريفات الجمركية كمصدر دخل للخزانة الأمريكية.إلا أن معظم الاقتصاديين يعارضون بشدة هذا الادعاء، مشيرين إلى أن التعرفة تؤدي في النهاية إلى تحميل المستهلكين والشركات المحلية أعباء مالية إضافية.
تنطوي هذه الأهداف المتنافسة على تناقضات داخلية، فإذا نجحت التعرفة الجمركية في فرض شروط تجارية أفضل، فقد يتم إلغاؤها، مما يضعف الجدوى منها كمصدر للإيرادات. وعلى العكس، إذا تم الإبقاء على التعرفة الجمركية بغرض تحقيق الإيرادات، فإنها قد تتسبب في أضرار اقتصادية طويلة الأجل، من خلال تباطؤ التجارة وتقليل ثقة المستثمرين العالميين. يؤكد ترامب أنه يركز على تحقيق الإيرادات في بعض المجالات، بينما يسعى في الوقت نفسه إلى إعادة بعض الصناعات إلى الولايات المتحدة أو حمايتها، كما هو الحال مع قطاعي الصلب والألمنيوم المحليين، اللذين يعتبرهما صناعات حيوية.[6]
الرد على تهديدات التعرفة الجمركية: تطور التعاون واستراتيجية "المعاملة بالمثل (العين بالعين)"
في عام 1980، نظم عالم السياسة روبرت أكسلرود بطولة لاختبار استراتيجيات المنظرين في لعبة "معضلة السجين". ومن خلال هذه التجربة، صاغ عمله الرائد "تطور التعاون"، الذي استند إلى النتائج المستخلصة من البطولة. وكان الاستنتاج الرئيسي هو أن التعاون يمكن أن ينشأ في التفاعلات المتكررة عندما تتبنى الأطراف استراتيجية "المعاملة بالمثل"، أي الرد على تصرفات الخصم بتدبير مضادة متساوية. يوفر عمل أكسلرود إطارًا أساسيًا لفهم كيفية عمل استراتيجية ترامب القائمة على التعرفة الجمركية، بالإضافة إلى تحديد الخيارات المتاحة للدول المتضررة للرد عليها.
تعكس تعريفات ترامب الجمركية المبدأ القائل بأن الإجراءات التجارية العدوانية الأولية ستُقابل بردود انتقامية، ولكن عندما يعدل الخصوم سياساتهم استجابةً لذلك، فإن الولايات المتحدة ستُبدي استعدادًا لتخفيف الضغوط الجمركية. وتجسد الأوامر التنفيذية المعدلة بشأن التعرفة الجمركية هذا النهج، حيث فرضت إدارة ترامب في البداية تعريفات جمركية صارمة، ثم قامت بتخفيفها بشكل انتقائي عندما أظهر الشركاء التجاريون امتثالهم لمطالب الولايات المتحدة. على سبيل المثال، لم يظهر اتفاق المرحلة الأولى التجاري لعام 2020 مع الصين إلا بعد أن فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية بقيمة 50 مليار دولار على السلع الصينية في عام 2018. وقد أدت التعرفة الانتقامية الصينية في النهاية إلى اتفاق نهائي، التزمت فيه الصين بزيادة وارداتها من الطاقة والمنتجات الزراعية الأمريكية.[7]
واجهت كندا مشكلة مشابهة عندما فرضت إدارة ترامب الأولى تعريفات جمركية على الألمنيوم والصلب بموجب المادة 232، وقد تم إعفاؤها في نهاية المطاف بموجب اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا (USMCA)، التي حلت محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) لعام 1992.[8]
مؤخرًا، كانت المكسيك هدفًا لتهديدات ترامب الجمركية، لكن هذه التهديدات ارتبطت في النهاية بسياسات الهجرة، فقد علّقت الولايات المتحدة أي تعريفات جمركية إضافية على المكسيك بعد أن وافقت إدارة الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم على نشر المزيد من القوات المكسيكية على الحدود المشتركة.[9]
من خلال الحفاظ استراتيجية المعاملة بالمثل، يسعى فريق ترامب التجاري إلى خلق بيئة تفاوضية حيث يرى الخصوم التعاون باعتباره أفضل استراتيجية طويلة الأجل.[10]
التأثير على دولة الإمارات العربية المتحدة
في فبراير 2025، أعاد الرئيس ترامب فرض تعريفات المادة 232[11] على واردات الألمنيوم والصلب مستشهدًا بمخاوف تتعلق بالأمن القومي. وقد أظهرت التعرفة الجمركية البالغة 25% مرة أخرى اعتماده على الرسوم الجمركية كأداة استراتيجية للإكراه الاقتصادي، وتمثل هذه الخطوة عودة إلى التدابير المناصرة التي بدأها لأول مرة في عام 2018، مما يعزز التصور بأن التعرفة الجمركية هي أداة سياسية طويلة الأمد وليست مجرد تكتيك تفاوضي مؤقت.
من الجدير بالذكر أنه لم تخضع جميع الدول لهذه الزيادة في التعرفة الجمركية، فقد تم إعفاء كلٌّ من كندا والمكسيك وأستراليا، ويرجع ذلك أساسًا إلى شراكاتها الأمنية الراسخة والاتفاقيات التجارية السابقة مع الولايات المتحدة، والتي خففت المخاوف بشأن الاعتماد على سلاسل التوريد. وتعكس هذه الإعفاءات هدفًا جيوسياسيًا واضحًا، حيث تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع حلفائها الرئيسيين، بينما تركز على فرض تعريفات جمركية على الدول التي يُنظر إليها على أنها دول تنافسها اقتصادياً أو تُشكل مخاطر أمنية عليها.[12]
تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة اضطرابات كبيرة نتيجة تعريفات ترامب الجمركية والبالغة 25%. ففي عام 2023، باعت شركة الإمارات العالمية للألمنيوم (EGA)، وهي أكبر منتج للألمنيوم في الدولة، 550,000 طن في السوق الأمريكية، والتي تُعد أكبر أسواقها العالمية، ويتوقع المحللون أن تتكبد الشركة خسائر كبيرة بسبب انخفاض حجم الصادرات، وارتفاع التكاليف التشغيلية، وإمكانية تقليص القوى العاملة. وتمتد التداعيات الاقتصادية إلى ما هو أبعد من قطاع الألمنيوم، حيث تؤثر على سلاسل التوريد الصناعية الأوسع نطاقًا والاستقرار الاقتصادي الإقليمي، كما أن البحرين تواجه تأثيرًا مماثلًا، مما يسلط الضوء على المخاطر الأوسع التي تواجه اقتصادات مجلس التعاون الخليجي في ظل السياسات المناصرة لترامب.[13] لمواجهة هذه التحديات، ستحتاج الإمارات إلى اتباع نهج استباقي يشمل: تنويع الاقتصاد، تعزيز التنسيق الإقليمي وتكثيف الجهود الدبلوماسية مع واشنطن.
اللعبة السياسية: عقلانية أم تهور؟
تعريفات ترامب الجمركية ليست مجرد أدوات اقتصادية، بل هي أدوات سياسية تعزز صورته كنصير للصناعة الأمريكية، فنهجه لا يركز على الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد بقدر ما يسعى إلى كسب لعبة سياسية عالية المخاطر، حيث تحدد التحركات الجريئة إرثه. على عكس ولايته الأولى، التي كانت مقيدة بقيود إعادة انتخابه، قد تركز سياساته الجمركية في ولايته الثانية على تحولات استراتيجية طويلة الأمد بدلًا من القلق بشأن التداعيات السياسية الفورية، فقد أحاط ترامب نفسه بمجموعة من الصقور التجاريين، مثل بيتر نافارو وروبرت لايتهايزر، الذين دافعوا مرارًا عن القومية الاقتصادية كوسيلة لإعادة بناء الصناعة الأمريكية. فخلال إدارة ترامب الأولى، قاد وزير التجارة آنذاك ويلبر روس إجراءات صارمة لتنفيذ
تعريفات الرئيس الجمركية التي تستهدف الألمنيوم والصلب.
إن نهج ترامب يتجسد في كلماته الخاصة:
"إذا قلت 25 %، كانوا سيقولون، 'أوه، هذا أمر فظيع.' أنا لم أعد أقول ذلك بعد الآن... لأنني أقول، 'مهما فرضوا من رسوم، سنفرض مثلها.' أتعرفون ماذا؟سيتوقفون."[14]
يُعزز هذا التصريح نهج ترامب القائم على نظرية لعبة التعرفة الجمركية، وهو الفكرة التي تعتمد على تصور التهديد والردود الانتقامية بدلاً من مجرد المناصرة التجارية الثابتة.
لمواجهة الآثار السلبية للتعريفات الجمركية لترامب، تقدم نظرية اللعبة بعض الخيارات المحتملة، خاصة استراتيجية "المعاملة بالمثل" لأكسيليود، التي تهدف إلى ضمان اتخاذ ردود مدروسة ومتوازنة مع الحفاظ على المصالح التجارية طويلة الأمد.
- الرد الانتقامي المتبادل مع التخفيف المشروط - بدلاً من الرد الانتقامي المباشر، يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة اتخاذ إجراءات مضادة مشروطة تتماشى مع نموذج المعاملة بالمثل، من خلال محاكاة الإجراءات التجارية الأمريكية بطريقة مضبوطة، قد تتمكن الإمارات من إرساء نمط من المعاملة بالمثل يحفز التفاوض التعاوني.
- بناء تحالفات ضمن مجلس التعاون الخليجي - التنسيق مع الشركاء الإقليميين مثل البحرين والسعودية لتقديم جبهة تفاوضية موحدة تعزز من قوة التفاوض المشتركة، مما يعزز موقف الإمارات التفاوضي من خلال إطار تعاوني قائم على نظرية اللعبة.
- المفاوضات الثنائية المستمرة - الانخراط في مفاوضات متكررة مستدامة مع صانعي السياسة الأمريكية قد يسهل تحقيق استثناءات محددة للقطاعات، مما يحافظ على شروط تجارية مفضلة مع الحد من المزيد من الاضطرابات الاقتصادية.
- الاستفادة من المؤسسات التجارية العالمية - السعي لتقديم اعتراضات قانونية عبر منظمة التجارة العالمية (WTO) يرسل رسالة حول التزام الإمارات بالمعايير الدولية المنظمة مع ممارسة الضغوطات الخارجية على صناع السياسات في الولايات المتحدة.
- التنويع الاستراتيجي للتجارة - تقليل الاعتماد على السوق الأمريكية من خلال تعزيز التحالفات التجارية البديلة، خاصة مع أوروبا وآسيا، بإتباع نموذج نظرية اللعبة متعددة اللاعبين، مما يضمن استقرار سلاسل التوريد مع الحفاظ على النفوذ الاقتصادي.
مستقبل سياسة ترامب التجارية
يستخدم ترامب التعرفة الجمركية كسياسة اقتصادية وعلامة تجارية سياسية، مما يعزز صورته كـبطل الصناعة الأمريكية. قد تكون الفوائد السياسية الداخلية على المدى القصير نتيجة لهذه الاستراتيجية مكافئة للمخاطر التي تشمل الاضطرابات التجارية الانتقامية المحتملة والحسابات الاستراتيجية الخاطئة. لذلك، يتعين على الدول المتأثرة التكيف بسرعة مع استراتيجياتها التجارية لحماية المصالح الوطنية من خلال الرد الفعال وإعادة تقييم الأمور لضمان الرد على مبدأ ترامب "أمريكا أولاً" وتحقيق نجاحًا طويل الأجل.
قد تؤدي السياسات التجارية المبنية على التعرفة الجمركية التي يتبناها ترامب إلى تحقيق توازن غير تعاوني، مما يؤدي إلى تعطل جهود تحرير التجارة وتبني سياسات الحماية على نطاق واسع من قبل الدول، وقد يكون لهذا عواقب دائمة، بما يشمل:
- إضعاف اتفاقيات التجارة المتعددة الأطراف: قد تواجه منظمة التجارة العالمية تراجعاً في نفوذها بسبب عدم إيمان ترامب بقدرتها على حل النزاعات التجارية.
- التحولات في التحالفات التجارية العالمية: قد تستكشف الدول التي كانت شريكًا تقليديًا للولايات المتحدة علاقات تجارية جديدة للتعامل مع الاضطرابات الاقتصادية. على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي قد أبرم اتفاقيات تجارية شاملة مع اليابان، فيتنام، وأستراليا كجزء من استراتيجيته لتنويع العلاقات التجارية.
- تجزئة الأسواق على المدى الطويل: قد تواجه الشركات العالمية انخفاضًا في الكفاءة التشغيلية وزيادة في النفقات مع تغيير سلاسل التوريد بشكل دائم لتجنب المخاطر المتعلقة بالتعرفة الجمركية. على سبيل المثال، خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بدأت شركات مثل آبل في نقل الإنتاج من الصين إلى دول مثل فيتنام والهند لتجنب التعرفة الجمركية، ولذلك، فقد يؤدي إعادة الهيكلة إلى زيادة التكاليف التشغيلية بسبب الحاجة إلى إنشاء منشآت جديدة، تدريب العمال، وإدارة سلاسل التوريد المجزأة، بينما تنخفض الكفاءة مع تعطل عمليات الإنتاج وتوزيعها عبر مواقع متعددة.[15]
- تجزئة التجارة: قد تعمد الدول إلى إعادة تشكيل علاقاتها التجارية من خلال اعتماد السياسات المناصرة، مثل فرض تعريفات جمركية مرتفعة و فرض قيود على الواردات، أو الانسحاب من الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، أو تعزيز الكتل التجارية الإقليمية لتقليل الاعتماد على الشبكات العالمية. على سبيل المثال، انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) واستراتيجية الصين "الدوران المزدوج"، التي تركز على تعزيز الاستهلاك المحلي بينما تشارك انتقائيًا في التجارة الدولية، هي أمثلة على الكيفية التي يمكن للدول من خلالها أن تجزئ الأنظمة التجارية العالمية بشكل استراتيجي.[16]
الخاتمة
نحن لا نقترح أن السياسات التجارية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منظمة، ولكن مبدأ "أمريكا أولًا" يحدد بوضوح سياقها الأيديولوجي والفلسفي،
فيمكن فهمها بشكل أفضل من خلال منظور نظرية اللعبة الاستراتيجية بدلاً من المنطق الاقتصادي التقليدي. تعمل التعرفة الجمركية كأداة للمساومة ومصدر للإيرادات، وفي نفس الوقت كأداة سياسية تعزز من منظومة نظرية اللعبة الخاصة المتعلقة بالإكراه والالتزام، كما توفر مفهومًا يمكن من خلاله مواجهة الجهود الأكثر عدائية. تُظهر التعديلات المتكررة والانسحابات من أوامر التعرفة الجمركية لترامب كيف أن مبدأ المعاملة بالمثل الاستراتيجي يوجه جهوده التفاوضية، ففعالية استراتيجيته لم تتضح بعد، كون التدابير الانتقامية والانحدارات الاقتصادية المحتملة والاضطرابات الجيوسياسية قد تهدد أهدافه المعلنة، وسيصبح نجاح استراتيجية ترامب التجارية واضح فقط من خلال الآثار الاقتصادية والسياسية طويلة المدى للصراع التجاري المستمر.
[1] Munck, G. L. (2001). “Game theory and comparative politics: New perspectives and old concerns.” World Politics, 53(2), 173-204.
[2] Dixit, Avinash K., and Barry J. Nalebuff. Thinking Strategically: The Competitive Edge in Business, Politics, and Everyday Life. New York: W.W. Norton & Company, 1991.
[3] https://www.agweb.com/news/policy/politics/canada-mexico-hit-back-retaliatory-tariffs-u-s-imports
[4] “Economic and Trade Agreement Between the United States and China: Phase One,” Office of the United States Trade Representative, https://ustr.gov/phase-one.
[5] “U.S. to Impose Tariffs on $50 Billion of Chinese Goods,” The New York Times, June 15, 2018, https://www.nytimes.com/2018/06/15/us/politics/us-china-tariffs-trade.html.
[6] Fact Sheet: President Donald J. Trump Restores Section 232 Tariffs, The White House, February 2025. This fact sheet outlines the reinstatement of tariffs on aluminium and steel imports under Section 232 of the Trade Expansion Act of 1962, citing national security concerns. The decision reflects a continuation of Trump's protectionist trade policies and highlights the administration's strategic use of tariffs as both an economic and geopolitical tool. Available at: https://www.whitehouse.gov/fact-sheets/2025/02/fact-sheet-president-donald-j-trump-restores-section-232-tariffs/.
[7] Economic and Trade Agreement Between the United States and China: Phase One, Office of the United States Trade Representative, 2020: https://ustr.gov/phase-one.
[8] United States-Mexico-Canada Agreement (USMCA) Text, Office of the United States Trade Representative, 2020: https://ustr.gov/trade-agreements/free-trade-agreements/united-states-mexico-canada-agreement.
[9] Sevastopulo, Demetri, "Trump says Mexico tariffs ‘indefinitely suspended’ after deal on migrants," Financial Times, June 8, 2019: https://www.ft.com/content/7e97f758-89f3-11e9-a028-86cea8523dc2.
[10] Axelrod, Robert. The Evolution of Cooperation. New York: Basic Books, 1984.
[11] Section 232 of the Trade Expansion Act of 1962 grants the President the authority to impose tariffs and other trade restrictions on imports that are deemed a threat to national security. The law allows the U.S. Department of Commerce to conduct investigations into whether specific imports compromise the country’s industrial base, defense capabilities, or economic stability. If a national security risk is identified, the President can take unilateral action, including tariffs or quotas, to mitigate the threat. Section 232 has been invoked multiple times, most notably under the Trump administration to impose tariffs on steel and aluminum imports. See, 19 U.S.C. § 1862, Trade Expansion Act of 1962.
[12] “Fact Sheet: President Donald J. Trump Restores Section 232 Tariffs,” The White House, February 2025, https://www.whitehouse.gov/fact-sheets/2025/02/fact-sheet-president-donald-j-trump-restores-section-232-tariffs/.
[13] Al-Monitor Staff. “How vulnerable are UAE, Bahrain to Trump’s 25% tariff on aluminium?” Al-Monitor, 2025, https://www.al-monitor.com/originals/2025/02/how-vulnerable-are-uae-bahrain-trumps-25-tariff-aluminum.
[14] "Very Unfair: Donald Trump on Elon Musk's Tesla Building Factory in India," NDTV, February 2025. In this interview: https://www.ndtv.com/world-news/very-unfair-donald-trump-on-elon-musks-tesla-building-factory-in-india-7750962.
[15] https://www.vietnam-briefing.com/news/why-apple-is-diversifying-and-looking-to-vietnam-as-an-alternate-production-center.html/ and https://scw-mag.com/news/how-apple-handles-its-china-dependent-supply-chain-amid-global-tensions/
[16] https://tnsr.org/2022/01/the-growing-rivalry-between-america-and-china-and-the-future-of-globalization/