الإرهاب وانتشاره غير المحدود: الاتجاهات العالمية، والأدوات الإلكترونية، والبؤر الساخنة على المستوى الإقليمي

على الرغم من انخفاض أعداد الضحايا الناجمة عن الإرهاب عالميًا بنسبة 13٪ في عام 2024، وانخفاض العدد الإجمالي للهجمات بشكلٍ طفيف، فإن هذه الأرقام تُخفي تطورًا أوسع نطاقًا وأكثر إثارةً للقلق؛ حيث تُعاني مزيد من الدول من الإرهاب. فقد شهدت 66 دولة حادثًا إرهابيًا واحدًا على الأقل في عام 2024، وهو أعلى رقم يُسجّل منذ عام 2018. ويتجلى ذلك في الزيادة في عدد البلدان التي شهدت تدهورًا في مستويات الإرهاب.[1]

وفي حين لا تزال الجماعات الجهادية التقليدية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وحركة طالبان باكستان (TTP)، وحركة الشباب تُمثل قوى قتالية مميتة، فقد أصبح الإرهاب متسمًا بشكلٍ كبير باللامركزية. وقد ظهرت نماذج تشغيلية جديدة، حيث جاءت الهجمات البسيطة وعالية الوتيرة، التي يُنفذها غالبًا مهاجمون منفردون أو خلايا صغيرة، لتحل محل التكتيكات المُركزة التي تتسبب في إيقاع عدد كبير من الضحايا والتي ميّزت فترات الإرهاب السابقة.

في الغرب، وخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، فإن زيادة المهاجمين المنفردين ذوي الأيديولوجيات المختلفة تُمثل واحدة من أبرز التحولات في واقع التهديدات الحالية. فقد ارتفعت الهجمات من هذا النوع بنسبة تزيد على 60٪ في عام 2024، ونُفّذ العديد منها من قِبل أفراد تبنوا أفكارًا متطرفة عبر الإنترنت.

كما أن أكثر التطورات التحولية في واقع الإرهاب المعاصر برزت في إدماج التقنيات المتقدمة في مجموعة الأدوات العملياتية والاستراتيجية للجهات الفاعلة العنيفة، حيث تستخدم الجماعات الإرهابية حاليًا تطبيقات المراسلة المشفرة، ومقاطع الفيديو المزيفة المولَّدة بتقنية الذكاء الاصطناعي، والعملات المشفرة في جمع الأموال ونشر الدعاية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي كسلاح يُشكّل تهديدًا متزايدًا، وقد أظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالفعل مدى استخدامه لمقاطع الفيديو المُولّدة بتقنية بالذكاء الاصطناعي في إثارة الخوف وتجاوز الضوابط المتعلقة بمراقبة المحتوى، واستخدام تقنية الطائرات بدون طيار بفاعلية في كلٍ من الشرق الأوسط وأفريقيا.[2] ويُعتبر الفيديو التهديدي المُولّد بتقنية الذكاء الاصطناعي عام 2025، الذي استهدف حفلًا موسيقيًا في فيينا، مثالًا واقعيًا على مدى تمكّن هذه العناصر والجماعات المتطرفة من استغلال الوسائط الرقمية لتجاوز البروتوكولات الأمنية التقليدية. وفي هذه الحادثة تحديدًا، تم إنشاء الفيديو إلكترونيًا باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لمحاكاة تهديد حقيقي ضد حفل موسيقي شهير في ملعب "إرنست هابل" في فيينا، والذي كان من المقرر أن يستضيف أكثر من 40 ألف شخص ضمن جولة أوروبية لفنان بوب عالمي.[3] وظهر في مقطع الفيديو المزيف ما بدا أنه متحدث مقنّع تابع لجماعة جهادية معروفة وهو يوجه تهديدات باللغتين الألمانية والإنجليزية بطلاقة، ويُشير إلى المعالم المحلية والهجمات السابقة في أوروبا لتعزيز مصداقيته. وقد انتشر هذا المقطع على نطاقٍ واسع عبر قنوات تيليغرام، والمنتديات الهامشية، وتطبيقات المراسلة الخاصة قبل أن تلتقطه المنصات الرئيسية، مما تسبب في حالة من الذعر العام، ودفع السلطات النمساوية إلى تشديد الإجراءات الأمنية وإلغاء هذا الحفل الموسيقي مؤقتًا.

علاوة على ذلك، فإن الأنظمة الرقمية تُتيح إمكانية التطرف بشكلٍ أسرع وتجنُّب الكشف عن الهوية بشكلٍ أكبر؛ وتُعد فئة الشباب تحديدًا عُرضة لذلك، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، ومنتديات الألعاب الإلكترونية، وتطبيقات المراسلة بمثابة وسائل رئيسية للتجنيد الأيديولوجي. كما أن سرعة انتقال الأفراد حاليًا من مرحلة التعرُّض للتطرف والتجنيد إلى مرحلة تنفيذ الهجمات الإرهابية، والتي تستغرق أحيانًا بضعة أسابيع فقط، أصبحت تُشكِّل تحديًا كبيرًا أمام أجهزة إنفاذ القانون وأجهزة الاستخبارات. وبالنسبة للتطرف، فإنه لم يُعد يستند بالضرورة إلى أيديولوجية واضحة ومتماسكة، بل إلى أنظمة عقائدية هجينة تمزج بين الدين، والقومية، ونظريات المؤامرة، والمظالم الشخصية.[4]

البؤر الإقليمية الساخنة وجغرافيا العنف

برزت منطقة الساحل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى باعتبارها أكثر بؤر الإرهاب خطورة في العالم؛ ففي عام 2024، سُجلِت في هذه المنطقة أكثر من نصف إجمالي الوفيات المرتبطة بالأنشطة الإرهابية. ولا تزال دول مثل بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر تشهد مستويات عالية من العنف الذي ترتكبه جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS). كما أن انهيار سلطة الدولة، وتدهور مؤسسات الحكم، والعنف القائم بين المجتمعات المحلية والمرتبط دائمًا بالتنافس على الموارد، والنزوح الناتج عن تغيّر المناخ، أدى إلى توفير بيئة خصبة لحشد المتطرفين. ففي النيجر وحدها، ارتفع عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب بنسبة 94٪، مسجلةً بذلك أكبر زيادة على مستوى العالم.[5] كما أصبحت الدول الساحلية في غرب أفريقيا مثل توغو وبنين مُعرضة بشكلٍ متزايدٍ للمخاطر الإرهابية نظرًا لتوسيع الجهاديين لنطاق عملياتهم إلى ما هو أبعد من الشريط الساحلي التقليدية.

ولا تزال منطقة جنوب آسيا تُمثل بؤرةً أخرى للتطرف العنيف، فقد أدت عودة حركة طالبان باكستان (TTP) إلى حدوث ضعف عدد الهجمات في عام 2024، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى بنسبة 90%. ويعود تجدُّد قوة هذه الجماعة إلى حالة عدم الاستقرار الناجمة عن عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان المجاورة، وكذلك الصعوبات التي تواجهها الدول المجاورة في التصدي لعمليات تلك الجماعة بطريقةٍ فعالة.[6] وعلى الرغم من أن أفغانستان شهدت انخفاضًا نسبيًا في عدد الوفيات الناتجة عن الإرهاب، فإن استمرار وجود تنظيم الدولة الإسلامية – خراسان، وجماعات أخرى مناهضة لطالبان، يُشكِّل تهديدًا كبيرًا.

وقد أظهرت إحدى الدراسات المُعمقة، التي أُجريت عن التنظيمات الإرهابية الكبرى في عام 2025، أن استراتيجيات وأهداف تلك التنظيمات تتسم بالاستمرارية والابتكار. ولا يزال تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر انتشارًا من الناحية العملياتية، حيث يُنفذ هجمات في أكثر من 20 دولة، ويحتفظ بوجود مُدمِّر في سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ورغم انخفاض عدد الوفيات المنسوبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، فقد ارتكب التنظيم هجمات أكثر بنسبة 6%، مما يُشير إلى وجود تحوّل في تكتيكاته نحو تنفيذ هجمات أكثر تواترًا، وإن كانت على نطاقٍ أصغر. كما يظل تنظيم الدولة الإسلامية – خراسان يُشكِّل تهديدًا كبيرًا خاصًا في جنوب ووسط آسيا، مع عزمه المتواصل في استهداف المصالح الغربية.[7]

أما جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تنشط في منطقة الساحل، فكانت مسؤولة عن مقتل 1454 شخصًا في عام 2024، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 46٪. ولم تُزد الجماعة من قدراتها المميتة فحسب، بل وسّعت أيضًا من نطاق وجودها الإقليمي ليشمل الدول الساحلية في غرب إفريقيا. ونظرًا لقدرة هذه الجماعة على المزج بين المواجهة العسكرية والحكم الأيديولوجي في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، فإن ذلك يجعلها من الجماعات التي يصعب مواجهتها بشكلٍ كبير. وفي المقابل، وعلى الرغم من انخفاض عدد هجمات حركة الشباب والضحايا الناتجة عن تلك الهجمات، والعمليات الحكومية الأخيرة التي أدت إلى تقليص جزئي في سيطرتها على الأراضي، فإن هذه الحركة تظل قوة لا يُستهان بها في الصومال.[8]

استشراف المستقبل: استغلال الإرهابيين لحالة عدم الاستقرار المتنامية باستخدام نماذج وأدوات جديدة

تظل الجهود الرامية إلى التنبؤ باتجاهات الإرهاب المستقبلية مُقيدة بسبب الطبيعة غير المتوقعة لهذه الظاهرة. ونظرًا للطبيعة اللامركزية للجماعات الإرهابية، وانتشار المهاجمين المنفردين، والسرعة الكبيرة في تطور التكنولوجيا، فإن ذلك يؤدي إلى تقويض نماذج جمع المعلومات الاستخبارية وتقييم التهديدات التقليدية. كما تظل العديد من الهجمات مجهولة المصدر، والبيانات المتعلقة بالمخططات الفاشلة غير متسقة، والدوافع الإيديولوجية لمرتكبي الهجمات غالبًا ما تكون متقلبة ومركبة. علاوة على ذلك، فإن الأحداث الجيوسياسية مثل انهيار الأنظمة، أو الحروب الأهلية، أو الانتخابات الكبرى قد تكون بمثابة عوامل مُحفزة لزيادات مفاجئة في الأنشطة المتطرفة، مما يجعل التنبؤ بها على المدى الطويل ضعيفًا بطبيعته.[9]

إن المسار المستقبلي للإرهاب سيتشكَّل من خلال العديد من التطورات المترابطة، ومن المرجح أن يتوسع الإرهاب الإلكتروني، مع استخدام العناصر والجماعات المتطرفة لأدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات السيبرانية ليس لأغراض دعائية فحسب، بل أيضًا لتعطيل المرافق الحيوية. كما أن عدم الاستقرار الناتج عن تغيّر المناخ سيُشكّل دافعًا لتجنيد المتطرفين وزعزعة الاستقرار، لا سيما في المناطق الهشة أمنيًا مثل منطقة الساحل وجنوب آسيا. وأخيرًا، فإن تقاطع الإرهاب مع الجريمة المنظمة، من خلال الإتجار بالأسلحة، والتهريب، والتمويل غير المشروع، سيُزيد من غموض الحدود الفاصلة بين العنف الأيديولوجي والعنف لأهداف كسب الأموال.[10]

إن الإرهاب في عام 2025 لم يعُد تهديدًا ثابتًا، بل ظاهرة متعددة الأبعاد وقابلة للتكيّف. وفي حين لا تزال الجماعات الجهادية التقليدية تُشكل مخاطرًا جسيمة، فإن انتشار المهاجمين المنفردين، والكيانات الهجينة، والمتطرفين الإلكترونيين، يُمثل مرحلة جديدة من العنف السياسي، وهي مرحلة أكثر تشرذمًا، وأقل قابلية للتنبؤ، وذات خطورة أكبر. لذلك، من الضروري الجمع بين البيانات عالية الجودة، والدقة النظرية، والبصيرة التكنولوجية لمواجهة هذا الواقع المتطور من التهديدات المتنامية.

بيان إخلاء المسؤولية:

الآراء والأفكار الواردة في سلسلة منشورات "رؤى وآراء" تعبر عن وجهات نظر كتّابها فقط، ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف مركز ربدان للأمن والدفاع أو أي من الجهات التابعة له أو أي جهة حكومية. يُنشر هذا المحتوى لأغراض إعلامية، ويعكس الرؤى الشخصية للمؤلفين حول مواضيع متنوعة تتعلق بالأمن والدفاع.


[1] Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2025: Measuring The Impact of Terrorism, Sydney, March 2025. Available from: http://visionofhumanity.org/resources

[2] UNCCT/UNERI (2021) Countering Terrorism Online with Artificial Intelligence. United Nations, New York, Countering Terrorism Online with AI - UNCCT-UNICRI Report.pdf

[3] Mendez II, Moises, ‘Taylor Swift’s Vienna Concerts Cancelled After Police Say They Uncovered a Planned Terrorist Attack’, Time Magazine, August 7, 2024, Taylor Swift's Vienna Concerts Cancelled After Alleged Terrorist Attack Threat | TIME

[4] Isabel Jones et al (2023) Young guns: Understanding a new generation of extremist radicalization in the United States, Institute for Strategic Dialogue, Young-guns_Understandings-a-new-generation-of-extremist-radicalization-in-the-US.pdf

[5] Center for Preventive Action, ‘Violent Extremism in the Sahel’, Global Conflict Tracker, October 23, 2024, Violent Extremism in the Sahel | Global Conflict Tracker

[6] Gul, Ayaz, ‘UN: Afghan Taliban increase support for anti-Pakistan TTP terrorists’, VOA, July 11, 2024, UN: Afghan Taliban increase support for anti-Pakistan TTP terrorists

[7] Karr, Liam and Brian Carter ‘The Islamic State’s Global Long Game and Resurgence in Syria Poses an Evolved Threat to the West’, Institute for the Study of War, January 9, 2025, The Islamic State’s Global Long Game and Resurgence in Syria Poses an Evolved Threat to the West | Institute for the Study of War

[8] Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2025: Measuring The Impact of Terrorism, Sydney, March 2025. Available from: http://visionofhumanity.org/resources

[9] Sinai, J. (2022). Assessing the Academic Study of Counterterrorism Since 9/11 in Understanding and Preventing Terrorism. American Behavioral Scientist, 68(2), 241-260. https://doi.org/10.1177/00027642221108945

[10] UNCCT/UNERI (2021) Countering Terrorism Online with Artificial Intelligence. United Nations, New York, Countering Terrorism Online with AI - UNCCT-UNICRI Report.pdf

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

An error has occurred. This application may no longer respond until reloaded. Reload 🗙