رهان أرض الصومال الجريء: الاعتراف، الأمن الإقليمي، وإعادة تشكيل القرن الأفريقي

25 مارس 2025


مُقدمة


كان توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال في 1 يناير 2024 تحولًا كبيرًا في المشهد الجيوسياسي لمنطقة القرن الإفريقي؛ حيث اتخذت جمهورية أرض الصومال، التي تتمتع بالاستقلال الفعلي ولكنه غير معترف بها قانونيًا، المبادرة الجريئة وأفادت التقارير بأنها وافقت على منح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى خليج عدن عبر ميناء بربرا، الذي أشرفت مجموعة "دي بي ورلد" في دبي منذ عام 2015 على توسعته وتشغيله، وكذلك تأجير شريط ساحلي يمتد على 20 كيلومترًا لتأسيس منشأة بحرية إثيوبية. في المقابل، قد تصبح إثيوبيا أول دولة تعترف باستقلال أرض الصومال عن الصومال. وإذا تم تنفيذ الاتفاق، فإنه يخرج عن السوابق الدبلوماسية، ويؤدّي إلى تصعيد التوترات الإقليمية مع الصومال ومصر، اللتين تعارضان طموحات إثيوبيا البحرية.


تثير مذكرة التفاهم أسئلة بالغة الأهمية: لماذا تحركت أرض الصومال الآن، بعد أكثر من 30 عامًا من إعلان استقلالها؟ لماذا يتم الاتجار بأراضٍ استراتيجية مقابل الاعتراف الرسمي بالاستقلال؟ وكيف ستعيد هذه الصفقة تشكيل منطقة القرن الأفريقي المضطربة ومنطقة البحر الأحمر/الخليج العربي على نطاق أوسع؟ للإجابة على هذه الأسئلة، سوف تركز هذه الدراسة على أرض الصومال باعتبارها طرفا أساسيا يؤدي دورا محوريّا وليس ثانويا في صراع جيوسياسي أكبر بين إثيوبيا والصومال ومصر ودول خارجية أخرى.


يكشف هذا المقال كيف استغل زعماء أرض الصومال فرصة جيوسياسية نادرة لتعزيز مساعيهم المتوقفة منذ فترة طويلة للحصول على الاعتراف. وعلى عكس التحليلات التقليدية التي تعطي الأولوية للتنافس بين القوى الكبرى، فإن هذه المقالة سوف تستكشف المصالح الوطنية لأرض الصومال، وهويتها، وضرورات الأمن، وتوضح كيف يمكن لدولة صغيرة ذات عزيمة أن تناور بنجاح داخل نظام إقليمي متقلب. الخطوة التي اتخذتها أرض الصومال ليست مجرد إنجاز دبلوماسي فحسب، بل هي أيضًا تنفيذ للمعايير الإقليمية للاتحاد الأفريقي، والتي لا تزال في حالة أرض الصومال معلّقة، وحافز محتمل لإعادة تنظيم جيوسياسي أوسع نطاقا. لا يمكن أن تكون الرهانات أعلى من ذلك.


استقلال أرض الصومال: التاريخ والهوية والجغرافيا السياسية


ينظر المجتمع الدولي إلى جمهورية أرض الصومال (سابقًا أرض الصومال البريطانية) على أنها جزء رسمي من الصومال. ومع ذلك، فقد كانت تتمتع بالحكم الذاتي والسيادة على أراضيها منذ عام 1991، عندما انفصلت بشكل أحادي عن الصومال. لكنها لا تزال تفتقر إلى أي اعتراف قانوني دولي. وبالتالي، مهد الاتفاق الطريق لإمكانية الاعتراف القانوني لإثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة. وإذا حدث ذلك، فقد تحذو دول أخرى حذو إثيوبيا، التي تستضيف مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا.


ونتيجة لمذكرة التفاهم هذه، عادت مطالب استقلال أرض الصومال إلى الصدارة على الفور، علمًا بأن سعيها نحو الاستقلال هو سعي طويل يعود إلى القرن التاسع عشر، وهو يتسق تمامًا مع استقلال الدول الإفريقية الأخرى بعد الاستعمار. بدأ ذلك في عصر قامت فيه الإمبراطورية البريطانية بإبرام اتفاقيات هامة مع عدة عشائر وصغار عشائر في أرض الصومال، وخاصة مع عشائر الجيادبورسي، وإيسا، وحبر آوال. في عام 1884، تم تأسيس المنطقة رسميًا كأرض الصومال البريطانية، باعتبارها محمية تتمتع بدرجة من الحكم الذاتي التي ميزتها عن الصومال الإيطالي الذي كان يخضع لسيطرة أكثر تشدّداً في الشرق والجنوب. ومع ذلك، اختارت أرض الصومال في النهاية الاستقلال وحققته في 26 يونيو 1960. بعد بضعة أيام، في 1 يوليو، دخلت أرض الصومال طوعًا في اتحاد مع الأراضي التي كانت تحت الوصاية الصومالية لتشكيل جمهورية الصومال.


بدأت تظهر شروخ في الاتحاد منذ يوليو 1961 عندما صوت سكان أرض الصومال ضد دستور الاتحاد، وفي ديسمبر 1961 ثارت الوحدات العسكرية في عاصمة أرض الصومال، هرجيسا، في محاولة فاشلة لاستعادة استقلال أرض الصومال (Cannon, 2021, p. 124). جزء من المشكلة كان التهميش الذي تعرضت له أرض الصومال كإقليم، والذي تمثل في المسافة البالغة 1000 كيلومتر بين هرجيسا ومقديشو، عاصمة الصومال. وبالتالي، أصبحت الديناميكيات بين المركز والأطراف التي وصفها هيربست (2014)، والتي ظهرت في العديد من الدول الإفريقية بعد الاستعمار، راسخة بقوة في الصومال، مما أدى إلى نتائج كارثية للاتحاد الطوعي بين أرض الصومال والصومال.


تفاقمت علاقات المركز والأطراف مع مرور الوقت بسبب نظام الديكتاتور سياد بري (1969-1991)، مما أدى إلى تمييز واسع النطاق وتهميش لسكان أرض الصومال بسبب الديناميكيات القبلية.[1] التحركات السياسية والاقتصادية لحكومة مقديشو تجاهلت بوضوح تطلعات سكان أرض الصومال، من بين آخرين، مما ساهم في تأجيج شعور متزايد بالظلم والإحباط. عندما شنّ سياد بري حرب أوجادين الكارثية (1977-1978) ضد إثيوبيا ثم خسرها، زرع ذلك بذور الحرب الأهلية الصومالية في النهاية (التي كانت في الواقع عدة حروب)، مما أدى إلى قيام حكومة مقديشو باستخدام القوات الجوية الصومالية لقصف مدينة هرجيسا، مما أسفر عن تدمير المدينة وأزمة لجوء ضخمة. كانت الضربة القاضية لجمهورية الصومال في عام 1991، وهو العام نفسه الذي أعلنت فيه أرض الصومال خروجها من الاتحاد وأعادت تأسيس دولتها المستقلة (Bradbury, Abokor, & Yusuf,2003).


"لقد أدت المأساة التي عانى منها سكان أرض الصومال على يد الحكومة الصومالية في مقديشو إلى ترسيخ تاريخ قوي من الكفاح، والنزوح، والموت في أذهان الجميع. وقد ترسخ هذ التاريخ عبر ثلاثة أجيال متعاقبة من سكان أرض الصومال، وما زالت مستمرة، حيث وُلدوا في أرض الصومال المستقلة بحكم الواقع منذ عام 1991. وتتعزز هذه الهوية أيضًا من خلال التباين الواضح بين المسار السلمي والمستقر لأرض الصومال، وانزلاق الصومال إلى دوامة العنف القائم على الصراعات القبلية والإرهاب، الذي يتسبب في فشل الدول (Pegg, 2023).


اتخذت أرض الصومال خطوات كبيرة على مدى ثلاثة عقود من الاستقلال الفعلي والسيادة لعمل تنمية مؤسساتية وإدارية مستدامة وقابلة للاستمرار. وكما هو الحال مع التطوير الهيكلي في أرض الصومال، فإن التطور السياسي والانتقالات السلمية للسلطة يعدان عنصرين أساسيين في تعزيز مصداقية استقلال البلاد. أظهرت الانتخابات الرئاسية والحزبية الأخيرة في أرض الصومال، التي جرت في نوفمبر 2024، مرة أخرى النضج السياسي لجميع الأطراف المشاركة. إن الانتقال السلمي للسلطة من حزب كلمية الحاكم المهزوم إلى حزب ودّاني المعارض، بالإضافة إلى عملية الانتخاب القائمة على مبدأ "شخص واحد، صوت واحد"، يُعدّ أمرًا فريدًا ليس فقط في منطقة القرن الإفريقي، بل في معظم أنحاء القارة أيضًا (Cannon, 2024).


وبالتالي، فإن دعوات أرض الصومال للاستقلال ليست مجرد انعكاس للظلم التي تعرضت له على مدار التاريخ، بل هي أيضًا شهادة على الهوية الفريدة والمسارات التي خاضها شعبها على مر السنين. كما أن هذه المواقف تشكل مبرراً قوياً وعاطفياً ضد عودة الارتباط بالصومال، البلد الممزق والمنقسم إلى فصائل، والذي يعاني من العنف وعدم الاستقرار، وظل على هذا النحو منذ ما يقرب من أربعة عقود. لطالما تمت الإشارة إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية بشكل تحقيري باسم "عمداء مقديشو"، لأن نطاق سلطتهم بالكاد يشمل مدينة العاصمة (Rossiter & Cannon, 2019). يتمتع اثنان من الولايات الفيدرالية الصومالية، بونتلاند في الشمال وجوبالاند في الجنوب، بدرجة كبيرة من الاستقلالية عن الحكومة الفيدرالية. في الوقت نفسه، أدى تفكك الأمن وسيادة القانون والبيروقراطيات والمجتمع المدني إلى خلق فراغ تمكنت فيه الميليشيات العشائرية، وقبل كل شيء، الإرهاب الإسلامي الذي تمثله حركة الشباب، من الازدهار.


تحولات الديناميكيات الإقليمية وفرصة أرض الصومال الاستراتيجية


لم تكن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال حدثًا معزولًا أو تطورًا مفاجئًا، بل كانت نتاجًا لتحولات الديناميكيات الإقليمية التي خلقت فرصة لأرض الصومال لتأكيد مصالحها. لسنوات عديدة، حافظ الأفارقة والفاعلون الدوليون على الوضع الراهن الذي قاوم الاعتراف بأرض الصومال، بهدف منع المزيد من التفكك بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011. ومع ذلك، بحلول عام 2022، دخلت الساحة السياسية في القرن الإفريقي فترة من عدم الاستقرار العميق، مما خلق نافذة نادرة لأرض الصومال للمناورة دبلوماسيًا. تتناول الأجزاء التالية هذه التغيرات بالتفصيل.


التحول الاستراتيجي لإثيوبيا

خلال فترة طويلة في أوائل القرن الحادي والعشرين، حافظت إثيوبيا، تحت قيادة رئيس الوزراء ميليس زيناوي (1995-2012)، على هيمنتها الإقليمية ولعبت دورًا حيويًا كقوة استقرار، وساهمت في الحفاظ على التوازن بين الانقسامات الداخلية والخارجية. ومع ذلك، بعد وفاة زيناوي وتولّي رئيس الوزراء آبي أحمد للسُّلْطة منذ عام (2018 - حتى الآن)، دخلت إثيوبيا حقبة جديدة من عدم الاستقرار الداخلي وإعادة تقييم (تشكيل) سياستها الخارجية. أدى سعي آبي لإعادة هيكلة الفيدرالية العرقية في إثيوبيا إلى تصاعد حالة عدم الاستقرار، كما ظهر في حرب تيغراي (2020-2022) والتمردات المستمرة في ولايتي أمهرة وأوروميا الإثيوبيتين (Gebreluel، 2024). وفي الوقت نفسه، أدى انفتاحه الدبلوماسي تجاه إريتريا، الذي أنهى عقودًا من العداء، إلى تشكيل شراكة قصيرة الأمد بين الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (1993-الحاضر)، ورئيس الصومال محمد عبد الله محمد المعروف بـ “فرماجو"، وآبي أحمد. همَّش هذا التحالف أرض الصومال وحاول دبلوماسيًا تعزيز مطالبة مقديشو بالسيادة على الدولة المستقلة بحكم الواقع.


ومع ذلك، تغيرت الحسابات الاستراتيجية لإثيوبيا بشكل جذري بعد حرب تيغراي. أدى تبعات الصراع إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، حيث عارض إسياس أفورقي مفاوضات إثيوبيا مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (TPLF). في الوقت نفسه، تغيرت التوجهات السياسية للصومال مع انتخاب رئيس الصومال حسن شيخ محمود عام 2022، الذي عكس سياسة سلفه المتقاربة مع إثيوبيا واقترب من إريتريا. أدى التقارب بين الصومال وإريتريا، إلى جانب تدهور العلاقات الإثيوبية مع كل من مقديشو وأسمرة، إلى إعادة تشكيل التوازن الإقليمي (Ahmed, 2024).


أدى تزايد العزلة الدولية لإثيوبيا عقب حرب تيغراي إلى تفاقم تحدياتها الدبلوماسية. فقد نأت الولايات المتحدة (U.S.) والاتحاد الأوروبي (EU) بنفسيهما عن حكومة آبي أحمد، وأدانا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال الصراع، وعلّقا شراكات اقتصادية وأمنية رئيسية. كما تم تقليص المساعدات الأميركية لإثيوبيا، وفقدت إثيوبيا امتياز الوصول التفضيلي إلى التجارة بموجب قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA) عام 2022. وأثار الاتحاد الأوروبي أيضًا مخاوف بشأن الانتهاكات الإنسانية وجمّد تمويل برامج التنمية. ونتيجة لذلك، وجدت إثيوبيا نفسها تعتمد بشكل متزايد على جهات غير غربية، مثل الصين وإيران وتركيا، بينما كانت تواجه في الوقت نفسه تصاعدًا في الاضطرابات الداخلية.


التوقيت الاستراتيجي لأرض الصومال

تحركت أرض الصومال في ذلك التوقيت لأن المشهد الإقليمي كان يمر بمرحلة من التحولات الاستثنائية. فقد أدت عزلة إثيوبيا عن القوى الغربية بعد حرب تيغراي، إلى جانب تدهور علاقتها مع إريتريا وازدياد التقارب بين مقديشو وأسمرة، إلى دفع أديس أبابا للبحث عن شراكات استراتيجية جديدة. في الوقت نفسه، شهدت أرض الصومال تطورًا اقتصاديًا وسياسيًا سلسًا نسبيًا، مما أتاح لهرغيسا فرصة نادرة لاتخاذ خطوة جريئة في تأكيد مصالحها. في الواقع، تمكنت أرض الصومال من تقديم نفسها كشريك مستقر ومتعاون لإثيوبيا عندما تحركت بشكل حاسم لصياغة مذكرة التفاهم في أواخر عام 2023. فقد عرضت على إثيوبيا منفذًا استراتيجيًا إلى خليج عدن والبحر الأحمر، وتمكنت من الوفاء بهذا الوعد بسبب سيادتها على أراضيها، على عكس الصومال المجاور. وبذلك، اغتنمت القيادة في أرض الصومال، التي اعتادت على الجمود الدبلوماسي، هذه الفرصة عبر تقديم مذكرة التفاهم – التي كُشف عنها بشكل مفاجئ في 1 يناير 2024 – كاتفاقية ذات منفعة متبادلة، وليست خطوة أحادية الجانب (Donelli, 2024a). وعلى عكس الصومال، نجحت أرض الصومال في استغلال سمعتها كدولة فعالة ومستقرة ومستدامة وذات سيادة، إضافة إلى إمكاناتها الاقتصادية وموقعها الجيوستراتيجي الحيوي.


تحت قيادة الرئيس السابق موسى بيحي (2017-2024)، انخرطت أرض الصومال في دبلوماسية رفيعة المستوى مع إثيوبيا. ومن خلال تبني نهج تفاوضي استباقي، تمكنت أرض الصومال من تحقيق اختراق في سعيها الطويل للاعتراف الدولي، حيث يُقال إن نسخة أرض الصومال من مذكرة التفاهم تتضمن وعدًا من إثيوبيا بالاعتراف بها مقابل منحها 20 كيلومترًا من ساحلها لمدة 50 عامًا (Cannon 2024). ورغم أن الاعتراف الإثيوبي ليس مضمونًا بعد، فإن مذكرة التفاهم تمثل نقطة تحول تاريخية، إذ لم تعد أرض الصومال تنتظر الموافقة الدولية، بل أصبحت فاعلًا نشطًا في رسم مستقبلها ضمن نظام إقليمي متغير.


رهان أرض الصومال وبداية استقرار إقليمي


إذا حصلت إثيوبيا على منفذ إلى ساحل أرض الصومال لإنشاء منشأة بحرية مستقبلية، وفي المقابل اعترفت باستقلال أرض الصومال، فإن ذلك لن يكون تحديًا لمبادئ الاتحاد الأفريقي الراسخة بشأن وحدة الأراضي والسيادة والحدود ما بعد الاستعمار، بل سيكون تأكيدًا لها، رغم ادعاءات مقديشو بعكس ذلك. فهذا لا يشكل خرقًا لميثاق الاتحاد الأفريقي، بل هو تأييد لمبادئه (Hoch and Rudincová, 2015). وينبغي أن ينطبق مبدأ الاتحاد الأفريقي بشأن احترام الحدود ما بعد الاستعمار على أرض الصومال، التي كانت دولة ذات سيادة عام 1960 قبل أن تتحد طوعًا مع الصومال. ومع ذلك، فقد اختار الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء تجاهل هذه الحقيقة (Rudincová, 2017).


ومع ذلك، فإن الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال ليس الطريق الوحيد للمضي قدمًا. مع إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر 2024، يبدو أن واشنطن أصبحت أكثر انفتاحًا للعمل بشكل مباشر وبنّاء مع أرض الصومال (Webb, 2024). قد لا تعترف أمريكا بأرض الصومال بشكل مباشر، ولكن تحركها سيكون منفصلًا ومختلفًا عن تحرك إثيوبيا. في الواقع، إذا بدأت واشنطن أو قوى كبرى أخرى في التعاون بشكل رسمي ومباشر مع أرض الصومال، فقد لا تحتاج هرجيسا بعد ذلك إلى دعم إثيوبيا، مما يمنحها، كدولة ذات سيادة، الخيار في تجاهل أو إلغاء مذكرة التفاهم.


لماذا يُعتبر اعتراف المجتمع الدولي بأرض الصومال أمراً مهمّاً للمنطقة بشكلٍ عام؟ أولًا، لا يتعلق الأمر فقط بمسألة قانونية، بل هو ضرورة أمنية إقليمية. إن تسليح المناطق البحرية في المنطقة تؤجج حالة عدم الاستقرار، وأسرع طريقة لمنع إثيوبيا من المساهمة في فرض الهيمنة العسكرية على البحر الأحمر هي اعتراف الدول الأخرى بأرض الصومال. وهذا بدوره قد يمنح إثيوبيا منفذًا تجاريًا عبر ميناء بربرة، مما يقلل من حاجتها إلى إنشاء منشأة بحرية.ثانيًا، سيؤدي الاعتراف إلى خفض التوترات الإقليمية من خلال جعل أرض الصومال فاعلًا شرعيًا ومستقرًا. فالاتفاقية البحرية بين تركيا والصومال، ونشر مصر لقواتها في الصومال ردًا على مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، لن يعودا ضرورة ملحة. فبمجرد الاعتراف بأرض الصومال، ستتمكن الدول من العمل رسميًا مع كلٍّ من الصومال وأرض الصومال، مما يساعد في استقرار المنطقة والحد من التنافس البحري المتزايد. ثالثًا، لهذه التطورات تداعيات مباشرة على الخليج العربي، إذ أن دول الخليج، خصوصًا الإمارات العربية المتحدة والسعودية، تمتلك مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة في البحر الأحمر. إن الاعتراف بأرض الصومال واستقرارها سيعزز أمن التجارة، وجهود مكافحة القرصنة، والشراكات الأوسع بين الخليج وأفريقيا، مما يعزز التكامل الاقتصادي الإقليمي بدلاً من التنافس العسكري.


خاتمة


تحركت أرض الصومال في ذلك التوقيت لأنها رأت فرصة جيوسياسية نادرة في ظل عزلة إثيوبيا، وتغير التحالفات، وتجدد اهتمام الولايات المتحدة. بفضل وجود حكومتها المستقرة، وموقعها الاستراتيجي، وإمكاناتها الاقتصادية المتزايدة، لم تعد أرض الصومال مجرد كيان يسعى للاعتراف، بل أصبحت دولة فاعلة تُشكّل مستقبلها بنفسها.

لم يعد السؤال المطروح على العالم ما إذا كان ينبغي الاعتراف بأرض الصومال، بل متى سيحدث ذلك؛ فالاعتراف بأرض الصومال سيعزز الأمن الإقليمي، والتعاون الاقتصادي، واستقرار الأمن البحري، موفرًا فرصة نادرة لتعزيز النظامين الإقليميين في أفريقيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب دعم المصالح الاستراتيجية لدول الخليج في البحر الأحمر والقرن الافريقي. السؤال الآن هو: هل ستتحرك الدول للاستجابة لهذه الحقائق، أم ستواصل تجاهلها؟


المراجع


Ahmed, H. Q. (2024, November 7) “Somalia’s Strategic Counterbalance to Ethiopian Influence in the Horn of Africa: Commentary.” Sada. https://carnegieendowment.org/sada/2024/11/somalia-ethiopia-relations?lang=en

Bayeh, E. (2024, October). “Egypt-Ethiopia hostilities are playing out in the Horn – the risk of new proxy wars is high.” The Conversation. https://theconversation.com/egypt-ethiopia-hostilities-are-playing-out-in-the-horn-the-risk-of-new-proxy-wars-is-high-241402

Bradbury, M., Abokor, A. Y., & Yusuf, H. A. (2003). “Somaliland: Choosing politics over violence.” Review of African Political Economy, 30(97), 455-478.

Cannon, B. J. (2024, February 1). “Addis Ababa Ambitions: What Does the Recent Somaliland-Ethiopia Deal Reveal About Regional Dynamics?” InterRegional. https://www.interregional.com/article/Addis-Ababa-Ambitions:/2221/En

Cannon, B. J. (2021). “Contextualizing Turkey’s Actions in Somalia: Insights from Somaliland.” Bildhaan: An International Journal of Somali Studies, 21(13), 121-143.

Cannon, B. J. (2024, November 22). “Somaliland’s new government is ready to drive change: these are its 3 big goals.” The Conversation. https://theconversation.com/somalilands-new-government-is-ready-to-drive-change-these-are-its-3-big-goals-244189

Donelli, F. (2024). “Insight: مغامرة إثيوبيا في البحر الأحمر: Security, Identity, Economics, and Politics.” Rabdan Academy. https://ra.ac.ae/en/research/publications/explaining-ethiopias-red-sea-gamble-security-identity-economics-and-politics

Donelli, F. (2024b, February 28). “Red Sea politics: why Turkey is helping Somalia defend its waters.” The Conversation. https://theconversation.com/red-sea-politics-why-turkey-is-helping-somalia-defend-its-waters-224377

Gebreluel, G. (2023). “Ideology, grand strategy and the rise and decline of Ethiopia’s regional status.” International Affairs, 99(3), 1127-1147.

Herbst, J. (2014). States and power in Africa: Comparative lessons in authority and control (Vol. 149). Princeton University Press.

Hoch, T., & Rudincová, K. (2015). “Legitimization of statehood in de facto states: A case study of Somaliland.” AUC GEOGRAPHICA, 50(1), 37-49.

Pegg, S. (2023). “Somaliland: A partial, fragile, yet significant small de facto state victory.” In The Success of Small States in International Relations (pp. 170-183). Routledge.

Rossiter, A., & Cannon, B. J. (2019). “Re-examining the ‘Base:’ The Political and Security Dimensions of Turkey’s Military Presence in Somalia.” Insight Turkey, 21(1), 167-188.

Rudincová, K. (2017). “The right to self-determination or inviolability of borders in the horn of Africa? The African union approach.” In Unrecognized states and secession in the 21st century (pp. 187-203). Cham: Springer International Publishing.

Webb, M. (2024, December 17). “There’s a rare opportunity to deepen US-Somaliland ties. But several obstacles stand in the way.” Atlantic Council. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/africasource/theres-a-rare-opportunity-to-deepen-us-somaliland-ties-but-several-obstacles-stand-in-the-way/

* أستاذ مشارك، جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، أبوظبي.

[1]كان سياد بري ينتمي إلى عشيرة المريحان، وهي إحدى العشائر الفرعية التابعة لعشيرة الدارود الأكبر، وقد اعتمد حكمه الذي استمر لعقود بشكل كبير على دعم عشيرته والعشائر الفرعية الأخرى من الدارود، ولا سيما عشائر المريحان، والأوغادين، والدولبهانت.

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

An error has occurred. This application may no longer respond until reloaded. Reload 🗙