13 فبراير 2025
من المتوقع أن تكون منطقة جنوب شرق آسيا واحدة من أكثر المناطق استقرارًا في عام 2025، إلا أنها تمر بمنعطف حاسم ويجب أن تتعامل مع حالة عدم اليقين في الجوانب الجيوسياسية والنمو الاقتصادي العالمي. لقد اجتازت المنطقة تداعيات الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين عامي 2017-2020، لكن سيتطلب من دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أن تتحلى بالتكيف والمرونة بعودة ترامب الى السلطة في عام 2025،
عند استعراض آفاق الأمن الإقليمي في جنوب شرق آسيا لعام 2025، هناك ثلاث تطورات حاسمة تستحق الدراسة:
1) تأمين بحر الصين الجنوبي (SCS).
ستبقى التوترات بشأن المطالبات المتداخلة في بحر الصين الجنوبي مصدر قلق أمني رئيسي في عام 2025. وقّعت رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين إعلانًا بشأن سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي في عام 2002، لكن لم تُحرز أي تطورات جوهرية بشأن مدونة قواعد سلوك منذ ذلك الحين. في الوقت الحالي، يُنظر إلى إحياء مدونة قواعد السلوك على أنه طموح للغاية ومن غير المرجح أن يحدث في عام 2025.
في عام 2012، فشلت آسيان في إصدار بيان مشترك ردًا على تواجد الصين في المنطقة والجهود التي تبذلها لتوسيع الخط القطاعات التسعة (ذي التسعة شرطات)، وهو خط في بحر الصين الجنوبي يمثل مطالب الصين الإقليمية. منذ ذلك الحين، تصاعدت التوترات بين مانيلا وبكين حول المناطق المتنازع عليها مثل منطقة "توماس الثاني شول"، "سكاربورو شول"، "سابينا شول"، وجزيرة باغاسا. وعلى أثرها، آسيان والصين الدول الأعضاء إلى التحلي بضبط النفس عند التعامل مع النزاع في بحر الصين الجنوبي.
زاد تواجد الولايات المتحدة من تعقيد القضية، فقد عززت الفلبين تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة بعد تصاعد التوترات مع الصين، ما أدى إلى توقيع اتفاقية تعزيز التعاون العسكري (EDCA) التي سمحت للولايات المتحدة بتوسيع نطاق وصولها إلى أربعة مواقع استراتيجية جديدة حول الفلبين، وهذا يضع بحر الصين الجنوبي ودول آسيان في قلب المنافسة بين القوى الكبرى.
بحلول نهاية عام 2024، وقّعت الولايات المتحدة والصين اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية للتطرق لتواجد الصين في بحر الصين الجنوبي، ومن المرجح أن تتخذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر مواجهة تجاه الصين في عام 2025، استنادًا إلى تصرفات إدارة ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، عندما حاولت احتواء صعود الصين.
قد تعيد إدارة ترامب ضمن فترة رئاسته الثانية تقييم أنشطة الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، خاصةً إذا كانت مكلفة وتتسبب بأعباء مالية.
2) المرونة الإقليمية من خلال مركزية آسيان
يُعتبر مفهوم مركزية آسيان ليس جديدًا بين الباحثين وصناع السياسة في آسيان، حيث تم اطلاق العديد من الحملات لدعم هذه العقيدة (المبدأ)، التي تدعو إلى صوت إقليمي موحد يمكنه توجيه الجهات الخارجية لتتماشى مع مصالح آسيان. على مر السنين، لم تتمكن المنطقة من تطبيق هذا المفهوم عمليًا، وهو أمر يثير القلق بشكل خاص عند الاستجابة لدوريات الصين في المياه الإقليمية للدول الأعضاء في آسيان.
في حال تصاعدت المنافسة بين القوى العظمى، وكما هو متوقع، فقد تتأثر مركزية آسيان. مارست الصين، خلال الإدارة الأولى للرئيس ترامب، استراتيجيتها المسماة "الصين + واحد" (C+1)، التي تشجع الشركات على تقليل التصنيع في الصين كوسيلة لمواجهة الحروب التجارية وخفض التكاليف عن طريق الانتقال إلى دول ذات عمالة وتكاليف تشغيلية أقل، حيث أسفرت هذه الاستراتيجية عن نقل شركات كبرى ومتعددة الجنسيات أجزاءً من مصانعها من الصين إلى جنوب شرق آسيا، الأمر الذي أعطى أعضاء دول آسيان نفوذ اقتصادي مكنهم من إعادة توجيه علاقاتهم السياسية والأمنية والاقتصادية بدون إجماع بين أعضاء الرابطة، فلا تستطيع آسيان فرض علاقات ثنائية متبادلة على أعضائها، فلا تزال تمتلك الدول الأعضاء الحرية في تعزيز أو قطع العلاقات مع الدول الأخرى. نتيجة للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت دول آسيان أكثر قطبية مما كانت عليه في السابق،
لكي تتغلب على تعقيدات عام 2025، يجب أن تتحلى دول جنوب شرق آسيا بالصمود، وأن تتبنى الاستشراف الاستراتيجي واتباع نهج مرن في وضع سياساتها الإقليمية. لذلك، ينبغي أن تكون مركزية آسيان في طليعة هذا النهج المرن لضمان استمرار سماع صوت المنطقة. والجدير بالذكر، أن التعددية القطبية قد حلت محل أحادية القطبية في النظام العالمي، فالدول ذات التوجهات المتشابهة تقوم بتشكيل تكتلات تحقق من ورائها منافع متبادلة، فهذا التغيير يُشكل خطرًا على آسيان، حيث قد يختار أعضاؤها تشكيل تحالفات جديدة خارج نطاق المنطقة.
3) التكيف مع إدارة ترامب الثانية
هناك احتمال كبير أن تكون الإدارة الثانية لترامب مشابهة للأولى، مما يعني عودة الولايات المتحدة للعزلة وتبني سياسات الحماية. أظهرت إدارة ترامب الأولى عدم اهتمامها بالتعددية، حيث انسحبت من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) وغابت عن قمة شرق آسيا (EAS)، كما ويتوقع الكثيرون أن تُلغي إدارة ترامب ما يُعرف بالإطار الاقتصادي للرخاء في المحيطين الهندي والهادئ (IPEF) الذي أسسه الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.
دعا ترامب إلى فرض تعريفات جمركية جديدة على شركاء تجاريين رئيسيين، معلنًا على وسائل التواصل الاجتماعي عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع المنتجات من كندا والمكسيك، و10% إضافية على المنتجات الصينية، فخلال فترة رئاسته بين2017 و2020، فرض ترامب تعريفات جمركية على بضائع صينية تزيد قيمتها عن 360 مليار دولار، معظمها على الصلب والألمنيوم. [i] ولذلك ستكون لهذه السياسة آثار سلبية وإيجابية على دول آسيان.
ستعمل الشركات الصينية على نقل المزيد من إنتاجها إلى دول جنوب شرق آسيا للاستفادة من التعريفات الجمركية المنخفضة، مما سيجذب المزيد من الاستثمارات ويوفر فرص عمل إضافية للمنطقة. خلال إدارة ترامب الأولى، تلقت ماليزيا وتايلاند وفيتنام استثمارات إضافية عندما قامت الشركات بنقل بعض عملياتها بعيدًا عن الصين.
ومع ذلك، إذا شجّع ترامب الشركات الأمريكية على إعادة الاستثمار محليًا، فسيكون لذلك تأثير سلبي، حيث بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي بين عامي (2012 و2021)، 346 مليار دولار أمريكي [ii]، وفي عام 2023 وحده، سجل الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في دول آسيان 74.36 مليار دولار أمريكي. [iii] من المتوقع أن ينخفض هذا الرقم إذا تم فرض زيادات ترامب في التعريفات الجمركية وسياسات التوطين، مما سيشجع الشركات للعودة إلى الأراضي الأمريكية للتصنيع، كما ستصبح السلع المستوردة إلى المنطقة أكثر تكلفة لتلبية زيادات التعريفات الجمركية، خاصة إذا شملت أي جزء من سلسلة التوريد، سواء كان تصنيعًا أمريكيًا أم صينيًا.
لا تزال منطقة جنوب شرق آسيا منطقة مستقرة ومستدامة نسبيًا، فعلى الرغم من وقوعها بين قوى متنافسة، لم تشهد المنطقة صراعات خطيرة، لكن لا تزال القطبية تشكل خطرا على رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ولابد من اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذه القضية.
[i] Stein, J (2025). Trump Aides Ready ‘Universal’ Tariff Plans – with one key change, https://www.washingtonpost.com/business/2025/01/06/trump-tariff-economy-trade/
[ii] Cyrill, M (2024). Southeast Asia’s Balancing Act in a Second Trump Presidency, ASEAN Briefing https://www.aseanbriefing.com/news/southeast-asias-balancing-act-in-a-second-trump-presidency/
[iii] Ibid.