07 فبراير 2025
في اليوم الأول من توليه الرئاسة، وقّع دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمي، حيث استند هذا القرار إلى دوافع سياسية ومالية وأيديولوجية متداخلة. [i]
تكمُن مبررات ترامب في تأكيده على أن منظمة الصحة العالمية قد أخفقت في التعامل مع جائحة كوفيد-19 وأنها تخضع لتأثير الصين بشكل مفرط. وتضمنت انتقاداته تأخر المنظمة في إعلان كوفيد-19 حالة طوارئ صحية عالمية، فضلاً عن معارضتها في البداية لحظر السفر من الصين، وهو ما فسره ترامب على أنه مجاملة لبكين. علاوة على ذلك، فقد استمر في إدانة العبء المالي غير المتكافئ الذي تتحمله الولايات المتحدة، التي كانت تسهم بأكثر من 450 مليون دولار سنويًا للمنظمة مقابل 40 مليون دولار من الصين. [ii]
ردّت منظمة الصحة العالمية على إعلان ترامب، داعيةً الولايات المتحدة بإعادة النظر في قرار انسحابها. مؤكدة في بيان لها: "بالتعاون مع الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى، نفذت منظمة الصحة العالمية على مدار السبع سنوات الماضية أكبر مجموعة من الإصلاحات في تاريخها، بهدف تعزيز مسؤوليتنا وفعالية تكلفتنا وتحقيق تأثير ملموس في الدول." وأضاف البيان: "سيستمر هذا العمل"[iii]
كسر التقاليد: دبلوماسية ترامب التوجيهية
تتجلى ممارسة ترامب في إصدار التوجيهات الرئاسية الهامة،[iv] بما في ذلك انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، في استراتيجية مدروسة لإظهار القيادة الحاسمة وترسيخ برنامج إدارته بشكل فوري. يعتمد هذا النهج على الاستفادة من الزخم الكبير في يوم تنصيب الرئيس لتعزيز الأولويات السياسية، وإظهار السلطة، وكسب تأييد قاعدته السياسية. إن الإعلان المبكر عن هذه التوجيهات يعزز من قيمتها الرمزية، حيث لا يُعيد تأكيد وعود الحملة الانتخابية فحسب، بل يُظهر أيضًا انفصالًا عن سياسات الإدارة السابقة.
تاريخيًا، استخدمت الدول الكبرى تهديدات الانسحاب كوسيلة ضغط من أجل إجراء الإصلاحات المؤسسية، كما هو الحال في تعاملات الولايات المتحدة مع منظمات دولية أخرى مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). ويمكن تفسير أفعال ترامب على أنها استراتيجية قسرية لفرض ضغط على منظمة الصحة العالمية لمعالجة أوجه القصور وعدم العدالة. [v] على سبيل المثال، قد تؤدي الإصلاحات المتعلقة بالمساهمات المالية، والشفافية، والحوكمة إلى توجيه المنظمة بما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة.
يبدو أن نهج ترامب يُركز على إظهار الاستياء بدلاً من الاهتمام بالإصلاح البنّاء. على عكس عام 2020، عندما شاركت الولايات المتحدة في مناقشات محدودة حول الإصلاح مع منظمة الصحة العالمية، فإن الأمر التنفيذي لعام 2025 يشير إلى تراجع كامل عن التعددية. ويختلف الأمر التنفيذي لعام 2025 من حيث التوقيت والنهج عن تهديد ترامب في 2020. ففي حين حدث التهديد السابق وسط الجائحة وتم انتقاده باعتباره متهورًا خلال أزمة صحية عالمية، يُصوّر القرار الحالي على أنه وعد انتخابي مُنفَّذ فور توليه المنصب. وعلى عكس عام 2020، حين قام مسؤولو إدارته بتأجيل عملية الانسحاب وسعى بعضهم إلى الإصلاحات، يظهر الأمر التنفيذي لعام 2025 بشكل أكثر حسمًا، حيث تم قطع التمويل واستدعاء الموظفين الأمريكيين بسرعة غير مسبوقة[vi].
تكلفة الانسحاب: انسحاب الولايات المتحدة يُثير تساؤلات حول الشرعية والصحة العالمية
يثير الانسحاب تحديات قانونية كبيرة. انضمت الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية في عام 1948 بموجب قانون صادر عن الكونغرس، ويعتقد العديد من الخبراء بأن مغادرة المنظمة تتطلب موافقة الكونغرس. وقد أشار بعض القانونيين إلى أن قرار ترامب الأحادي قد يواجه دعاوى قضائية. بالإضافة إلى ذلك، تلتزم الولايات المتحدة بموجب الاتفاقات الدولية بتقديم إشعار لمدة عام والوفاء بالالتزامات المالية المعلقة، مما يُعيق قدرة الإدارة على تسريع الإجراءات. [vii]
بموجب إطار عمل منظمة الصحة العالمية، يجب على الدولة العضو تقديم إشعار لمدة عام وتسوية جميع المستحقات المتأخرة للانسحاب رسميًا. وهذا يؤدي إلى تأخير تلقائي في تنفيذ أي تغييرات كبيرة، مما يفتح المجال للتحديات السياسية أو القانونية المحتملة. قد تقوم إدارة لاحقة بإلغاء القرار، كما فعل جو بايدن في عام 2021 عندما أعاد الولايات المتحدة عضوًا في منظمة الصحة العالمية بعد محاولة ترامب الأولى للانسحاب.
تُعد الولايات المتحدة أكبر مساهم مالي في منظمة الصحة العالمية، وانسحابها سيؤدي إلى فجوة تمويلية كبيرة، مما يهدد برامج مثل القضاء على شلل الأطفال، وعلاج الدرن، والاستعداد للجائحات. وبدون الدعم الأمريكي، قد تواجه منظمة الصحة العالمية صعوبة في الاستجابة للأزمات الصحية، لا سيما في المناطق ذات الدخل المنخفض. [viii]
علاوة على ذلك، فإن التعليق المتزامن للمساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يومًا يزيد من تعقيد المشكلة. إذ تعتمد الدول المُتلقية للمساعدات، خاصة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، بشكل كبير على البرامج المدعومة من الولايات المتحدة. إن التوقف المفاجئ عن التمويل يهدد بزعزعة استقرار الأنظمة الصحية، مما يخلق بيئة خصبة للجائحات والأزمات الصحية الأخرى.
إن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية يثير مخاوف كبيرة بشأن أمن الصحة العامة. بصفتها عضو في المنظمة، تستفيد الولايات المتحدة من مراقبة الصحة العالمية التي تقدمها المنظمة، وأنظمة الإنذار المبكر، والوصول إلى البيانات الحيوية حول الأمراض المعدية. وتعتبر هذه الأنظمة أساسية في اكتشاف التهديدات والحد منها مثل إنفلونزا الطيور، وإيبولا، وكوفيد-19. من دون هذه القنوات، قد تواجه الولايات المتحدة تأخيرًا في الاستجابة للتهديدات الصحية العالمية الناشئة، مما قد يؤدي إلى زيادة معدلات الوفيات وزيادة الضغط على الأنظمة الصحية المحلية.
دور منظمة الصحة العالمية في تنسيق تطوير اللقاحات العالمية يُعد جانبًا حاسمًا آخر، حيث تسهل المنظمة تبادل العينات الفيروسية ونتائج الأبحاث، مما يعزز من إنتاج اللقاحات في الوقت المناسب. وبدون العضوية، قد يفقد القطاع الصيدلاني في الولايات المتحدة الوصول إلى الموارد الحيوية، مما يُعيق قدرة البلاد على الاستجابة للجائحات بشكل فعال. [ix]
الحقيقة الموجعة: هل سيجعل الانسحاب الولايات المتحدة تواجه أزمات صحية مرة أخرى؟
على الصعيد المحلي، قد يؤدي غياب التعاون مع منظمة الصحة العالمية أيضًا إلى زيادة تكاليف الرعاية الصحية وتقليل كفاءة الصحة العامة. على سبيل المثال، قد يؤدي نقص الوصول إلى البيانات العالمية حول سلالات الإنفلونزا إلى تطوير لقاحات غير متوافقة، مما يزيد من معدلات دخول المستشفيات والوفيات بسبب الإنفلونزا الموسمية. كما أن تراجع التعاون مع منظمة الصحة العالمية قد يُعيق مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها من التصدي لمقاومة المضادات الحيوية والاستعداد للجائحات المستقبلية.
قد يؤدي الانسحاب إلى تقليص تأثير الولايات المتحدة في حوكمة الصحة العالمية، مما يفتح المجال لدول مثل الصين لملء هذا الفراغ، وقد تترتب على هذا التحول تداعيات طويلة الأمد الأجل على دبلوماسية الصحة العالمية، حيث تفقد الولايات المتحدة قدرتها على تشكيل السياسات والمبادرات الدولية.
على سبيل المثال، قد يعزز الدعم المالي والسياسي الذي تُقدمه الصين لمنظمة الصحة العالمية مكانتها القيادية، مما يُمكن بكين من فرض سيطرة أكبر على الأولويات الصحية العالمية. هذه السيناريوهات قد تهدد مصالح الولايات المتحدة وتضعف المبادرات التي تتوافق مع القيم الأمريكية، مثل تعزيز الشفافية والمساءلة في حوكمة الصحة. [x]
يبدو أن قرار ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية يعكس اتجاهًا أكبر نحو الابتعاد عن المؤسسات متعددة الأطراف، ويعزى ذلك إلى الاعتبارات المالية، والأيديولوجيات السياسية، والشكوك في الحوكمة الدولية. على مدار السبع سنوات الماضية، نفذت منظمة الصحة العالمية أكبر سلسلة من الإصلاحات في تاريخها، مع تحسينات كبيرة في المساءلة، وفعالية التكلفة، وتأثيرها على نتائج الصحة العالمية. إن انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة يُهدد تقويض هذه الإنجازات وقد يعوق المبادرات الصحية العالمية التي تعتمد على شراكات قوية واستجابات منسقة.
د. كريستيان ألكسندر هو كبير باحثين وباحث رئيسي في مركز ربدان للأمن والدفاع في أبو ظبي.
[i] Klein, Betsy, ‘Trump announces US withdrawal from World Health Organization’, CNN, January 22, 2025, WHO: Trump announces US withdrawal from World Health Organization | CNN Politics
[ii] Hernandez, Javier ‘Trump Slammed the W.H.O. Over Coronavirus. He’s Not Alone.’, New York Times, April 08, 2020, Trump Slammed the W.H.O. Over Coronavirus. He’s Not Alone. - The New York Times
[iii] WHO, ‘WHO comments on United States’ announcement of intent to withdraw’, January 21, 2025, WHO comments on United States’ announcement of intent to withdraw
[iv] Treisman, Rachel ‘Trump is signing a flurry of executive orders. Here's how those work’, NPR, January 21, 2025, Executive orders and actions, explained : NPR
[v] von Borzyskowski, Inken and Felicity Vabulas, ‘When Do Withdrawal Threats Achieve Reform in International Organizations,’ Global Perspectives, January 23, 2023, Vol. 4, No.1, When Do Withdrawal Threats Achieve Reform in International Organizations? | Global Perspectives | University of California Press
[vi] Rotella, Sebastian, James Bandler, and Patricia Callahan, ‘Inside the Trump Administration’s Decision to Leave the World Health Organization,’ ProPublica, June 20, 2020, Inside the Trump Administration’s Decision to Leave the World Health Organization — ProPublica
[vii] Cullian, Kerry, ‘Trump May Face Lawsuit Over US Withdrawal from WHO,’ Health Policy Watch, January 21, 2025, Trump May Face Lawsuit Over US Withdrawal From WHO - Health Policy Watch
[viii] Gostin, Lawrence et al, ‘US withdrawal from WHO is unlawful and threatens global and US health and security,’ Lancet, July 9, 2020, 396 (10247): 293-295, US withdrawal from WHO is unlawful and threatens global and US health and security - The Lancet
[ix]Kekatos, Mary, ‘Public health experts worry about implications of Trump withdrawing US from WHO: ‘An enormous mistake’’, ABC News, January 22, 2025, Public health experts worry about implications of Trump withdrawing US from WHO: 'An enormous mistake' - ABC News
[x] Chorev, Nitsan, ‘The World Health Organization between the United States and China’, Global Social Policy, October 19, 2020, Vol. 20, Issue 3, pp.378-382, The World Health Organization between the United States and China - Nitsan Chorev, 2020