من عصابات تهريب المخدرات (الكارتيلات) الى إرهابيين: الولايات المتحدة تعيد صياغة أزمة الأمن في المكسيك

مُقدمة

في الثالث والرابع من فبراير، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي في المكسيك بعد رصد طائرة استطلاع إلكترونية من طراز RC-135V Rivet Joint Signals تابعة لسلاح الجو الأمريكي تحلّق فوق خليج كاليفورنيا في المجال الجوي الدولي. [ii] على عكس طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) التقليدية التي تبقى متخفية، كانت هذه المهمة ظاهرة للعيان بشكل متعمد، مما أثار تكهنات بشأن تصاعد الضغوط الأمريكية على المكسيك في ظل إدارة ترامب الجديدة. يأتي ذلك في سياق تعهّد ترامب خلال حملته الانتخابية بتصنيف عصابات المخدرات المكسيكية كمنظمات إرهابية والتوسع باستخدام الموارد العسكرية الأمريكية لمواجهتها. [iii]


تشير أنشطة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) إلى احتمال حدوث تحول في استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة عصابات تهريب المخدرات، من خلال الاستفادة من جمع المعلومات الاستخباراتية والإشارات الاستراتيجية لتعزيز المخاوف الأمنية الأمريكية.


 وبغض النظر عن النوايا، فإن التأثيرات واضحة؛ إذ تعيد واشنطن صياغة الأزمة الأمنية المكسيكية كقضية تتعلق بمكافحة الإرهاب، فقد أدى التطور المتزايد للعنف والمرتبط بالمخدرات - والذي أودى بحياة ما يقرب من 200 ألف شخص في عهد الرئيس السابق أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (2018-2024) - إلى طمس الخط الفاصل بين الجريمة المنظمة والتمرد. تستخدم عصابات تهريب المخدرات المكسيكية الآن تكتيكات (أساليب تعبوية) تشمل تفجير السيارات، واغتيال المسؤولين، والمشاهد العنيفة المروعة التي تهدف إلى بث الرعب وإجبار السلطات على الخضوع، وهي أساليب تشبه إلى حد بعيد أساليب الجماعات الإرهابية.


على الرغم من أن المكسيك لا تؤوي جماعات إرهابية معترف بها دوليًا، إلا أن بعض العصابات تمزج بين النشاط الإجرامي والسيطرة على الأراضي وعناصر الاستيلاء على الدولة، الأمر الذي دفع واشنطن نتيجة لهذا التطور في طبيعة عمليات العصابات إلى توسيع إطارها لمكافحة الإرهاب خارج جدودها، مما يعزز النطاق القانوني والعملياتي للتدخلات الأمريكية.


طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع: الإشارات الاستراتيجية وتحول استراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية

يأتي الارتفاع الأخير في عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في أعقاب الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب في 25 يناير والذي صنف بعض العصابات كمنظمات إرهابية أجنبية، مما أدى إلى توسيع أدوات واشنطن في مكافحة الإرهاب بحيث تتدرج من العقوبات المالية إلى العمل العسكري المحتمل. [iv] ويشير هذا التحول إلى أن العصابات لم تعد يُنظر البها باعتبارها مجرد مؤسسات إجرامية، بل باعتبارها جهات سياسية تعمل على تعزيز سلطتها.


في غضون أسبوعين فقط، من أواخر يناير إلى أوائل فبراير، نفذت طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ما لا يقل عن 18 مهمة، وهو ما يمثل زيادة حادة مقارنةً بطلعة جوية واحدة شهرياً في السابق. [v] ويشير كبار المسؤولين الأميركيين إلى أن المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها قد تبرر التصنيفات الإضافية لهذه العصابات كمنظمات إرهابية أجنبية أو حتى توجيه ضربات مباشرة إلى الفنتانيل (الأفيون الصناعي) وقيادات العصابات، وهي إجراءات من شأنها أن تنتهك السيادة المكسيكية وتؤدي إلى توتر شديد في العلاقات الثنائية.


ورغم بقاء طائرة الاستطلاع الإلكتروني من طراز RC-135V في المجال الجوي الدولي، فإن ظهورها العلني - إلى جانب زيادة النشاط البحري والجوي الأميركي ـ يؤكد على تحول جوهري. والأمر الأكثر أهمية هو أن واشنطن الآن لا تنظر إلى نفوذ العصابات باعتباره قضية جريمة عابرة للحدود الوطنية فحسب، بل باعتباره "تحالف فظيع" بين المنظمات الإجرامية والدولة المكسيكية؛ حيث استخدم أمر ترامب التنفيذي في 1 فبراير 2025 هذا المصطلح بشكل صريح. [vi]


من المرجح أن يخدم هذا التزايد العلني في استخدام طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وظيفة جمع المعلومات الاستخباراتية ودور الإشارات الاستراتيجية، وهو ما يشير إلى تزايد القلق الأميركي بشأن ديناميكيات العصابات والدولة، فأمر ترامب التنفيذي الذي يفرض رسومًا جمركية على المنتجات المكسيكية، والذي تم تعليقه لاحقًا لمدة 30 يومًا، يتماشى مع المخاوف الأمريكية الأوسع بأن الحكومة المكسيكية "توفر ملاذات آمنة" للعصابات من أجل تصنيع ونقل المخدرات. [vii]


سبق الاستخدام الاستراتيجي لطائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع كوسيلة ضغط حوادث سابقة. ففي يناير 2019، نشرت الولايات المتحدة طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بالقرب من فنزويلا أثناء الأزمة السياسية بين زعيم المعارضة خوان غوايدو والرئيس نيكولاس مادورو، حيث راقبت طائرة الاستطلاع الإلكتروني RC-135V الاتصالات العسكرية الفنزويلية بينما دعمت روسيا نظام مادورو. [viii] لم تكن مهام طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع هذه مجرد جمع معلومات استخباراتية، بل كانت بمثابة وضع تدابير خطط طارئة، مما يضمن قيام الولايات المتحدة برسم خرائط لهياكل القيادة الرئيسية في حالة أصبح التدخل العسكري ضروريًا.[ix] 


تتمتع طائرة الاستطلاع الإلكتروني RC-135V، التي بإمكانها التحليق على ارتفاع 32500 قدم، بمدى بمجسات لاستخبارات الإشارة يتجاوز مداها 400 كيلومتر، مما يسمح لها باكتشاف وتحديد مواقع الاتصالات والرادارات العسكرية والرسائل المشفرة داخل الأراضي المكسيكية (انظر الشكل 1). [x] لا تحتاج هذه الطائرات إلى دخول المجال الجوي المكسيكي لإجراء المراقبة الإلكترونية الشاملة.

إن تصنيف العصابات على أنها تعمل تحت حماية الدولة يضيف بُعدًا جديدًا للعلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والمكسيك، مما قد يعيد تشكيل ردود فعل السياسة، فهذا النهج يتجاهل الفروق الأساسية بين الحكومة الفيدرالية، والحكومة الوطنية والحكومة المحلية، على الرغم من اختلاف شبكات حماية العصابات عبر مستويات الحكومة. جذب التداخل بين الجريمة المنظمة، والفساد السياسي، والثغرات الأمنية في المكسيك اهتمامًا متزايدًا في التدقيقات الأمنية الأمريكية والذي يتماشى مع مفهوم "المنطقة الرمادية للجريمة" الذي حددها المفكرون الذين درسوا وحللوا المكسيك. [xi]


من تجار مخدرات إلى إرهابيين؟ الحجة الأميركية لإعادة تصنيف عصابات المخدرات (الكارتلات)

يساعد نموذج العلاقة بين الجريمة والإرهاب في تفسير وجهة نظر واشنطن المتطورة بشأن العصابات. [xii] كان يُنظَر في العادة إلى الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية على أنهما منفصلتان - إحداهما مدفوعة بالربح، والأخرى مدفوعة بدوافع أيديولوجية. ومع ذلك، في الدول ذات المؤسسات الضعيفة، غالبا ما تتبنى الجماعات الإجرامية والإرهابية تكتيكات بعضها البعض أو تتعاون مع بعضها البعض عندما تتوافق مصالحها. وفي الحالات المتطرفة، تلجأ المنظمات الإرهابية إلى الجريمة، في حين تطور الجماعات الإجرامية استراتيجيات سياسية للاحتفاظ بالسلطة.


إن تطبيق أطر مكافحة الإرهاب على العصابات ليس مجرد تحول خطابي؛ فهو يمنح واشنطن مبرراً قانونياً خارج حدودها الإقليمية لمجموعة أوسع من الإجراءات، والتي قد تعكس تلك المستخدمة ضد المنظمات الإرهابية. فعلى الرغم من أن عصابات المخدرات المكسيكية لا تسعى للسيطرة الرسمية على الدولة مثل التمردات، إلا أن تأثيرها القسري على المؤسسات السياسية يعكس بعض جوانب شبكات الإرهاب، مما يعزز تطور العقيدة الأمنية الأمريكية.


أحد أبرز الأمثلة على ذلك، التحقيق الأميركي الموسع الذي أجري في العلاقات المحتملة بين العصابات وحلفاء لوبيز أوبرادور، حيث تشير التقارير الاستخباراتية المسربة ومصادر المخبرين إلى أن شخصيات قوية التقت مع مسؤولين مكسيكيين رفيعي المستوى ووسطاء مقربين من الرئيس السابق حتى بعد توليه منصبه. [xiii] تدعي بعض المصادر أن العصابات قدمت دعمًا ماليًا لشخصيات سياسية مقابل الحماية، في حين تشير مصادر أخرى إلى أنها تمتلك أدلة محرجة على الفساد على مستوى عال.[xiv]


في عهد الرئيسة كلوديا شينباوم باردو، تصاعدت هذه التوترات، فقد رفضت بشدة مزاعم الولايات المتحدة بوجود "تحالف فظيع" بين حكومتها والعصابات، ووصفتها بأنها مجرد "افتراء". ومع ذلك، فإن قرارها بنشر 10 آلاف جندي من الحرس الوطني على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك يشير إلى استجابة عملية، وإن كانت مترددة، لضغوط واشنطن. وفي الوقت نفسه، ردت باردو، وحثت الولايات المتحدة على إعادة النظر في دورها في تأجيج عنف العصابات، وخاصة من خلال الاتجار بالأسلحة والطلب غير المنضبط على الفنتانيل. [xv]


من المرجح أن يفسر هذا التداخل بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية الزيادة في أعداد طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الأمريكية، فقد لا تقتصر واشنطن الآن على تتبع تحركات العصابات فقط، بل قد تقيم ما إذا كانت بعض عناصر الحكومة المكسيكية متواطئة بدلاً من أن تكون خصمًا في مكافحة الجريمة المنظمة. إذا استمر هذا الإطار، فإن طلعات طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بالقرب من المكسيك ليست مجرد مهام لجمع المعلومات الاستخباراتية - بل هي إشارات استراتيجية تفيد بأن العلاقة بين العصابات والدولة أصبحت الآن تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الأمريكي.


بين واشنطن وعصابات تهريب المخدرات (الكارتلات): المعضلة الأمنية في المكسيك

مع توسع عمليات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع، وسياسات استهداف مكافحة الإرهاب الأميركية للعصابات بشكل متزايد، تواجه المكسيك قرارًا حاسمًا، ففترة تعليق الرسوم الجمركية المؤقتة لمدة 30 يومًا تشكل نافذة قصيرة للعمل الدبلوماسي، إلا أن الضغط من واشنطن يزداد. [xvi] لقد أدى تسليم إسماعيل "إل مايو" زامبادا إلى السلطات الأمريكية في يوليو 2024، والذي يُزعم أنه تم تسهيل هذه العملية من خلال خيانات داخلية داخل عصابة سينالوا، إلى زعزعة استقرار قيادة العصابة بالفعل، مما أدى إلى تأجيج الاقتتال الداخلي وزيادة العنف في مدينة كولياكان شمال غرب البلاد. [xvii] يُعتقد أن أحد أبناء خواكين "إل تشابو" هو الذي دبر هذه الخيانة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التفتت في تنظيم العصابة.


يُشير تصعيد عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المحمولة جواً إلى نقطة تحول محتملة في العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والمكسيك، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التصعيد يعكس تحولاً أساسياً في عقيدة استراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية أو استمراراً لتكتيكات الضغط القسري التي استخدمت سابقاً في عمليات مكافحة المخدرات. لقد تحول الخطاب السياسي الأميركي في الآونة الأخيرة من النظر إلى المكسيك في المقام الأول باعتبارها شريكاً في مكافحة المخدرات إلى تصويرها كبيئة أمنية تنشأ فيها تهديدات هجينة، فتصنيف "الملاذ الآمن" لها يحمل بين طياته عواقب وخيمة، مما يشير إلى أن عناصر من المؤسسات الأمنية والسياسية في المكسيك لم تفشل فقط في مكافحة العصابات بل قد تكون متواطئة في عملياتها، وهذا يضع إدارة شينباوم في موقف صعب: فهل ينبغي لها أن تتماشى مع أولويات مكافحة الإرهاب الأميركية، مما يعرضها لخطر زيادة النفوذ الأميركي ضمن الشؤون الأمنية المكسيكية، أم ينبغي لها أن تقاوم الضغوط الأميركية، على حساب احتمالات الانتقام الدبلوماسي والاقتصادي الأعمق؟


بعد أسبوع من التكهنات، أقرت الحكومة المكسيكية أخيرًا بأن البنتاغون أجرى مهمتين استطلاعيتين على الأقل منذ تولي ترامب منصبه، في 31 يناير و3 فبراير، وكان هذا بمثابة تحول عن التصريحات السابقة الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني (SEDENA)، والتي قللت في البداية من أهمية التقارير ونفت أي عمليات تجسس، على الرغم من أن وسائل الإعلام العالمية تتبع الرحلات الجوية في الوقت الفعلي. [xviii]


ورغم أن وزير الدفاع ريكاردو تريفيلا تريجو أكد أن الطائرات لم تنتهك السيادة المكسيكية، فإن الحكومة لم تقدم أي تفسير رسمي وراء الغرض منها، وهو ما يمثل انحرافاً عن موقفها الرافض في البداية. [xix] وعلى الرغم من هذه المراقبة المتزايدة من أواخر يناير إلى أوائل فبراير، فقد أكد تريفيلا أن طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لم تخرق التعاون الأمني ​​الثنائي، وهو ما يشير إلى محاولة المكسيك إدارة التوترات دون مواجهة مباشرة. لذلك، يتعين على حكومة شينباوم أن تحدد كيفية تحقيق التوازن بين السيادة الوطنية والفوائد والمخاطر المحتملة المترتبة على تعزيز التعاون الأمني ​​مع الولايات المتحدة.


تشمل الخيارات الاستراتيجية الأكثر إلحاحاً ما يلي:

  1. توسيع التعاون الاستخباراتي: تعميق التعاون مع الولايات المتحدة من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وعمليات إنفاذ القانون المشتركة، وخاصة ضد الاتجار بالفنتانيل. وهذا يعزز جهود مكافحة العصابات ولكنه يخاطر بفرض نفوذ أكبر للولايات المتحدة على قرارات الأمن الداخلي في المكسيك، والتي كانت تاريخياً نقطة خلاف على السيادة المكسيكية.
  2. مطالبة الولايات المتحدة بالاعتراف بمسؤوليتها. الضغط على الولايات المتحدة للاعتراف بدورها في الأزمة من خلال الاعتراف بتأثير الأسلحة الأمريكية المتدفقة إلى المكسيك واتخاذ خطوات حاسمة للحد من الطلب غير المنظم على الفنتانيل الذي يغذي أرباح الكارتلات.
  3. مقاومة الضغوط الأمريكي: رفض التعاون التام قد يدفع واشنطن إلى تصعيد الإجراءات الأحادية، بما في ذلك الضربات التي تستهدف قادة العصابات، أو تنفيذ العمليات السرية باستخدام القوات الخاصة، أو توسيع العقوبات الاقتصادية مثل إعادة فرض الرسوم الجمركية، وهو نهج قد يزيد من توتر العلاقات الثنائية.


بالنسبة للمكسيك، يكمن التحدي في تحقيق التوازن بين الاستقلالية الاستراتيجية والاستفادة من التعاون الثنائي. أما بالنسبة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة، فالأولوية ستكون في تعديل إجراءات مكافحة العصابات لتعزيز التعاون الأمني دون تقويض سيادة المكسيك أو الإضرار بالعلاقات الاقتصادية. سيحدد المسار الذي ستختاره المكسيك ليس فقط شكل العلاقات الأمنية بين البلدين، بل أيضًا على مدى قدرتها على الاحتفاظ بسيطرتها على سياساتها الأمنية الوطنية مع التكيف مع أولويات مكافحة الإرهاب الأمريكية المتغيرة. كما أن استجابة المكسيك الفورية للضغوط الأمريكية لن تؤثر فقط على علاقاتها الثنائية، بل ستحدد أيضًا دورها في الهيكل الأمني الأوسع لأمريكا الشمالية، ومع سعي واشنطن إلى إضفاء الطابع المؤسسي على جهود مكافحة العصابات، أصبح النقاش حول دمج المكسيك في أطر تبادل المعلومات الاستخباراتية الأوسع نطاقًا أكثر إلحاحًا.


الأمن الأمريكي-المكسيكي عند مفترق طرق

لم يعد التحدي الأمني للمكسيك يقتصر على التوترات الثنائية مع واشنطن، بل أصبح في صلب جدال أوسع حول الأمن الإقليمي. يرى بعض صانعي السياسات أن الأطر الحالية للتعاون غير كافية، داعين إلى آليات أكثر رسمية لتبادل المعلومات الاستخباراتية لمواجهة التهديدات العابرة للحدود.


إحدى المقترحات التي تكتسب زخمًا هي إنشاء معاهدة أمنية تشمل دول أمريكا الشمالية، تهدف إلى إضفاء الطابع المؤسسي على تنسيق الأمن بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. [xx] بينما تتبادل الولايات المتحدة وكندا المعلومات الاستخباراتية عبر تحالف العيون الخمس (Five Eyes)، فإن التوسع ضمن إطار مماثل ليشمل المكسيك يواجه تحديات كبيرة، فقد أثارت المخاوف بشأن السيادة وموثوقية المعلومات الاستخباراتية شكوكًا على الجانبين. ورغم أن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والمكسيك كان قويًا نسبيًا حتى عام 2012، فقد تراجع بشكل حاد، لا سيما بعد عام 2018، بسبب القيود التي فرضها القادة المكسيكيون على تبادل المعلومات الاستخباراتية وأنشطة إنفاذ القانون الأجنبية. ترى واشنطن أن هذه القيود تعرقل الجهود الأمنية المشتركة، في حين تبقى المكسيك مترددة في تعميق الدور الأمريكي في شؤونها الأمنية الوطنية.


قد يكون تشكيل اتفاق أمني محدود هو الخيار الواقعي الأكثر للمضي قدمًا، حيث يسمح للولايات المتحدة بتحييد أهداف العصابات عالية القيمة، بينما تظهر المكسيك التزامها بالأمن دون الحاجة إلى تدخل واسع النطاق. ومع ذلك، فإن عدم التعاون يحمل بين طياته تكاليف باهظة؛ فقد تتم إعادة فرض الرسوم الجمركية، وقد تتصاعد عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الجوية والعمليات الأمنية الأمريكية الأحادية، مما يزيد من حدة التوترات. يمكن أن يوفر نهج تدريجي، تُبنى فيه الثقة من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل متزايد، حلاً وسطًا عمليًا لكلا البلدين.


ومع ذلك، فإن توسيع عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الجوية وزيادة النشاط البحري يشيران إلى أن صبر واشنطن على المفاوضات الدبلوماسية قد يكون محدودًا.


يتعين على إدارة شينباوم الآن اتخاذ قرار بشأن توسيع التعاون الاستخباراتي، أو رفض المطالب الأمريكية، أو السعي لتحقيق توازن دقيق بين الخيارين. إن الظهور العلني لطائرة RC-135 يشير إلى أن واشنطن مستعدة لتكثيف ضغوطها على المكسيك في حال استمر نشاط العصابات دون تعزيز الإجراءات الأمنية الثنائية.


 تصوير عنف العصابات من خلال منظور مكافحة الإرهاب يضع المكسيك في موقف استراتيجي معقد، حيث تسعى للموازنة بين مخاوف السيادة ومتطلبات التعاون الأمني.


فهل ستتمكن من فرض استراتيجيتها الخاصة في مكافحة العصابات، أم أن واشنطن ستفرض نهجها؟ الخطوات المقبلة التي تتخذها المكسيك ستحدد ما إذا كانت ستحتفظ باستقلالية سياستها الأمنية أو ستُدفع نحو إطار مكافحة إرهاب تقوده الولايات المتحدة.


[i] The author extends gratitude to Olli Pekka-Suorsa, Kristian Patrick Alexander, and Arsène Saparov for their valuable feedback on an earlier version of this document. Special thanks to Olli Pekka Suorsa for providing FlightRadar and Google Earth images and for his insights on the technical capabilities of the RC-135.


[ii] Eurasian Times. 2025. “U.S.-Mexico Tensions: U.S. Deploys Cutting-Edge Spy Planes RC-135, P-8 Poseidon to Check Mexican Border.” February 5, 2025. https://www.eurasiantimes.com/u-s-mexico-tensions-u-s-deploys-cutting-edge-spy-planes-rc-135-p-8-poseidon-to-check-mexican-border/


[iv] The White House. 2025a. “Executive Order on Designating Cartels and Other Organizations as Foreign Terrorist Organizations and Specially Designated Global Terrorists.” 25/01/2025 See especially Sec. 2. Policy, which states: “It is the policy of the United States to ensure the total elimination of these organizations’ presence in the United States and their ability to threaten the territory, safety, and security of the United States through their extraterritorial command-and-control structures, thereby protecting the American people and the territorial integrity of the United States.” https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/2025/01/designating-cartels-and-other-organizations-as-foreign-terrorist-organizations-and-specially-designated-global-terrorists/


[v] CNN. “US Spy Planes Hunt for Intel on Mexican Drug Cartels as Surveillance Flights Surge Near Border.” 10/02/2025 Available at: https://edition.cnn.com/2025/02/10/politics/us-spy-planes-mexican-drug-cartels/index.html


[vi] See The White House. 2025b. “Executive Order on Imposing Duties to Address the Situation at Our Southern Border.” 01/02/2025 The order states: “The Mexican DTOs have an intolerable alliance with the government of Mexico. This alliance endangers the national security of the United States, and we must eradicate the influence of these dangerous cartels from the bilateral environment. The government of Mexico has afforded safe havens for the cartels to engage in the manufacturing and transportation of illicit drugs, which collectively have led to the overdose deaths of hundreds of thousands of American victims.” https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/2025/02/imposing-duties-to-address-the-situation-at-our-southern-border/.


[vii] Ibid.


[viii] Archer, Bob. 2020. Super Snoopers. The Evolution and Service Career of the Specialist Boeing C-135 Series with the 55th Wing and Associated Units. London: Fonthill Media.


[ix] Ibid.


[x] Ibid.


[xi] This intersection is associated with the concept of the “gray zone of criminality.” See Trejo, Guillermo, and Sandra Ley. 2020. Votes, Drugs, and Violence: The Political Logic of Criminal Wars in Mexico. كامبريدج: Cambridge University Press.


[xii] Makarenko, Tamara, and Michael Mesquita. 2014. “Categorizing the Crime-Terror Nexus in the European Union.” Global Crime 15(3-4): 259–274. https://doi.org/10.1080/17440572.2014.931227 and Makarenko, Tamara. 2004. "العلاقة بين الجريمة والإرهاب" Tracing the Interplay Between Transnational Organized Crime and Terrorism.” Global Crime 6(1): 129-145.


[xiii] While the U.S. investigation was ultimately shelved due to a lack of political will in Washington, its findings illuminate how organized crime groups not only challenge state authority but also embed themselves within political structures to secure influence and impunity. See Alan Feuer & Natalie Kitroeff, “U.S. Investigated Accusations of Drug Cartel Links to Mexican President’s Allies.” New York Times, 22 فبراير, 2024.


[xiv] Ibid.


[xv] CBS News. 2025. “Mexico president says U.S. claim about cartel alliance is 'slander,' vows to retaliate against Trump tariffs.” 03 فبراير, 2025. https://www.cbsnews.com/news/mexico-us-claim-cartel-alliance-slander-vows-tariff-retaliation/


[xvi] The White House. 2025a.


[xvii] CNN Español. “Cronología del caso del Mayo Zambada y Joaquín Guzmán López.” CNN en Español, September 13, 2024. https://cnnespanol.cnn.com/2024/09/13/cronologia-del-caso-mayo-zambada-y-joaquin-guzman-lopez-orix.


[xviii] El País. “U.S. Spy Planes Spark Controversy in Mexico: ‘We Don’t Know What They Did.’” 12/02/2025


[xix]Ibid.


[xx] Eduardo Guerrero. 2024. “Hacia un Tratado de Seguridad para América del Norte.” Nexos, February 1, 2024. https://www.nexos.com.mx/?p=77510.

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

أرسل منشورك

An error has occurred. This application may no longer respond until reloaded. Reload 🗙