مُقدمة
تزايدت حدة عدم الاستقرار في البلدان المجاورة للصين، لا سيما في باكستان[i] وميانمار[ii] اللتان تواجهان حاليًا تحديات اقتصادية وأمنية جسيمة، حيث تعرَّض موظفون صينيون ومشاريع استثمارية في مقاطعتي "بلوشستان" و"خيبر بختونخوا" لهجمات. كما أدت الحرب الأهلية المتواصلة في ميانمار إلى حدوث تباطؤٍ ملحوظ في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الصينية بسبب تصاعُد المخاطر الأمنية. وفي السنوات الأخيرة، أدت موجة العنف المتصاعدة في البلدان المجاورة مباشرة للصين إلى إرباك الحسابات الاستراتيجية لتشونغنانهاي، ما اضطرها إلى تقليص استثماراتها الكبيرة هناك.
وتتمثل الأولويات الإقليمية المباشرة للصين في ممرين اقتصاديين حيويين هما: الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار (CMEC) الذي تبلغ قيمته 15 مليار دولار،[iii] والممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC) الذي تبلغ قيمته 63 مليار دولار. وقد بات هذان الممران قيد المتابعة والمراقبة المُشددة، في ظل وجود تقارير تُفيد بأن بكين قد تتجه رسميًا إلى نشر شركات أمن خاصة صينية[iv] لحماية استثماراتها ومواطنيها في الخارج. ففي ميانمار، تتوجد بالفعل شركات أمن خاصة صينية، إلا أن المناقشات حول إنشاء مؤسسة أمنية مشتركة بين قطاع الأمن الخاص الصيني والمجلس العسكري الحاكم في ميانمار تُشير إلى حدوث تصعيد وشيك في نطاق العمليات الأمنية الصينية في المنطقة. أما بالنسبة لإسلام آباد، فلا تزال ترفض السماح لتلك الشركات بإنشاء فروع مملوكة بالكامل على الأراضي الباكستانية. ومع ذلك، وعلى أرض الواقع، فقد قامت عدة شركات أمن خاصة صينية بترسيخ وجودها بشكلٍ غير مُعلن داخل المناطق الاستثمارية الرئيسية في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC)، حيث تعمل جنبًا إلى جنب مع نظيراتها الباكستانية الخاصة المسلحة. وتهدف هذه الترتيبات المشتركة إلى حماية الموظفين الصينيين والبنية التحتية الحيوية بما يُسهم بشكلٍ فعّال في إعادة تشكيل المشهد الأمني على طول الممر.
اللوائح والأنظمة الجديدة والمشكلات القديمة
لطالما كانت شركات الأمن الخاصة الصينية تُقدم مجموعة واسعة من الخدمات للمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والبعثات الدبلوماسية في الخارج، بما في ذلك إدارة نشر الأفراد المسلحين الأجانب لحماية العمال والمشاريع الصينية، وجمع المعلومات، وتقديم الدعم في مجال الأمن السيبراني ضمن البيئات المعقدة. ومنذ إطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، أصبحت بكين تعتمد بشكلٍ متزايد على هذه الشركات كأداة رئيسية لحماية استثماراتها وموظفيها في الخارج. ونظرًا لتصاعُد المشاعر المعادية للصين وحالة عدم الاستقرار، وما نتج عن ذلك من هجمات موجهة في باكستان واضطرابات سياسية في ميانمار، فقد أدى ذلك إلى إجبار بكين على تعزيز تدابيرها الوقائية. وقد استُهدفت القنصلية الصينية في كلا البلدين، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، تعرّضت البعثة الدبلوماسية الصينية في مدينة ماندالاي لحادث تفجير،[v] بينما تعرضت القنصلية الصينية في كراتشي[vi] لهجوم مباشر من مسلحين في عام 2018.
وعلى الصعيد المحلي، فقد وضعت بكين إطارًا قانونيًا وتنظيميًا دقيقًا يُنظّم قطاع الأمن الخاص. ويُعد أحدث معيار وطني صيني لقطاع خدمات الأمن، الذي يحمل اسم "دليل متطلبات واستخدام نظام إدارة الخدمات الأمنية (GB/T 42765-2023)"، والذي دخل حيز التطبيق في 1 يونيو 2024،[vii] خير مثالٍ على ذلك. ومع توسيع شركات الأمن الخاصة الصينية لعملياتها خارج الحدود الوطنية، فإنها تواجه بيئات ذات تعقيداتٍ أكبر بكثير من الناحية القانونية. كما تكشف زيادة توسُّع هذه الشركات خارج الحدود الإقليمية عن وجود فجوات كبيرة في الآليات التنظيمية الصينية وفي البنية القانونية الدولية بوجهٍ عام، والتي تُكافح لمواكبة التطور السريع لهذا القطاع. علاوة على ذلك، فإن التعريفات القانونية الحالية أصبحت إلى حدٍ كبير غير ملائمة للواقع المُعقَّد للأمن المُعاصر الذي يشهد مشاركة القطاع الخاص فيه.[viii]
وعلى خلاف نُظرائها الأمريكيين أو الروس من المتعاقدين العسكريين،[ix] فإن شركات الأمن الخاصة الصينية تعمل بموجب تفويضٍ أكثر انضباطًا، حيث تُركز بشكلٍ مُحدد على المهام الدفاعية دون الانخراط في عمليات هجومية أو قتالية. ويعكس هذا النهج الحذِر إصرار بكين على تنظيم بصمتها الأمنية بشكلٍ مُحكم، مع تجنُّب التورط في مخاطر استراتيجية تمس بسمعتها في حال انخراطها في تدخلات عسكرية مباشرة. كما يتكامل النموذج الصيني في إسناد مهام الأمن للشركات الخاصة مع إطار الدولة المحوري الذي يُركز على حماية مصالحها الاقتصادية وتجنُّب الانخراط في مغامرات عسكرية.
ارتفاع حصيلة الضحايا من العمال الصينيين يُسلّط الضوء على الهشاشة الأمنية الاستراتيجية بالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان
لا يزال الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC) يُمثل حجر الزاوية في طموحات الصين في مجال البنية التحتية والربط والتواصل على مستوى العالم، إلا أن هذا الممر يشهد حالة متزايدة من عدم الاستقرار،[x] مما يكشف عن الهشاشة التشغيلية للوجود الاقتصادي الصيني في الخارج. وبينما يظل اهتمام العالم منصبًا على التصعيد العسكري الأخير بين الهند وباكستان، فإن سلسلة الهجمات المميتة المتواصلة التي تستهدف المواطنين الصينيين على طول الممر تُسلط الضوء على المخاطر الأمنية المتصاعدة والمستمرة المرتبطة بهذا المشروع الذي تبلغ قيمته 63 مليار دولار أمريكي. كما أن قائمة الحوادث العنيفة المتزايدة تُسلّط الضوء أيضًا على الانتشار الإقليمي للنشاط المُسلَّح والبيئة التي يعمل فيها الأفراد الصينيون والتي تشهد تهديدات مُعقدة.
• ففي أكتوبر 2024، أعلنت جماعة انفصالية باكستانية تُعرف باسم "جيش تحرير بلوشستان" مسؤوليتها عن تنفيذ تفجير انتحاري استهدف موكبًا لمواطنين صينيين قرب مطار كراتشي الرئيسي، ما أسفر عن مقتل عاملَين صينيين وإصابة ثمانية آخرين.
• وفي مارس 2024، نفَّذ انتحاري هجومًا على موكب صيني بالقرب من مدينة "بيشام" في مقاطعة "خيبر بختونخوا" الباكستاني، ما أسفر عن مقتل خمسة مهندسين صينيين وسائق باكستاني يعمل معهم.
إن تكرار الهجمات ذات الخسائر البشرية المرتفعة ضد المواطنين الصينيين يُشكّل تحديًا مباشرًا لإمكانية تنفيذ مشاريع البنية التحتية ضمن مبادرة "الحزام والطريق" في المناطق التي تشهد اضطرابات أمنية. كما يُثير تساؤلات بالغة الأهمية عن قدرة الدولة المُضيِفة واستعدادها السياسي لحماية الاستثمارات الأجنبية من الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة. وبالنسبة لبكين، فإن مقتل رعاياها في الخارج لا يُعد مأساة إنسانية فحسب، بل يُمثل أيضًا عبئًا ومسؤولية سياسية ومصدرًا محتملاً للمساءلة الداخلية والدولية.
وفي هذا الصدد، فإن بكين تخشى من عودة ظهور التطرف الإسلامي، وتدفق اللاجئين، وارتفاع وتيرة عمليات تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود، وهذه التهديدات تُشكِّل تحديًا مباشرًا لمصالح الأمن القومي للصين، لا سيما في مناطقها الحدودية الغربية.
ميانمار: مبدأ عدم التدخل مقابل الأمن التشغيلي
في الوقت ذاته، تُشير التقارير إلى أن[xi] شركات الأمن الخاصة الصينية تعمل بالفعل داخل ميانمار على طول المناطق الحدودية الجنوبية الشرقية. كما أن احتمالية إنشاء شراكة أمنية بين المجلس العسكري الحاكم في ميانمار وإحدى شركات الأمن الخاصة الصينية تُشير إلى أن الصين تُعيد بهدوء ضبط نهجها القائم على عدم التدخل، وهو تطوُّر له تبعات بالغة الأهمية.
ويبرُز هذا التوسع الأمني بشكلٍ أكثر وضوحًا في الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار (CMEC)، الذي كان يُروَّج له كأحد المشاريع البارزة في مبادرة "الحزام والطريق"، غير أن هذا الممر كشف عن مدى ضعف قدرة الصين المتزايدة على مواجهة الاضطرابات الإقليمية. فقد كان الممر هشًا من الناحية السياسية حتى قبل الانقلاب العسكري عام 2021، وأصبح اليوم محاصرًا من قِبل اثنين من أكثر عوامل التوتر في ميانمار وهي:[xii] الصراعات العرقية بين الحكومة المركزية التابعة للأغلبية البامارية والمناطق ذات الأقليات؛ والصراع المستمر على السلطة بين القيادة المدنية والمؤسسة العسكرية.
وهذا الأمر يجعل من مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار (CMEC)، ومركزه الرئيسي، ميناء كياوكبيو، بمثابة برميل بارود. وعلى غرار ميناء جوادر الباكستاني الواقع ضمن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC)، أصبحت منطقة كياوكفيو منطقة مُتنازع عليها، تجتذب كل من المناورات الجيوسياسية والمقاومة المحلية، حيث تتزايد المشاعر المناهضة للصين، وتنتشر الشبكات الإجرامية، وأصبحت السيطرة على الإيرادات والبنية التحتية ميدانًا للصراع بين الميليشيات العرقية، وأصحاب النفوذ المحليين، والمجلس العسكري نفسه.
وعلى عكس باكستان، التي دأبت حكومتها على نفي منح شركات الأمن الخاصة الصينية السيطرة التشغيلية الكاملة على الممر، فإن المجلس العسكري في ميانمار يُرحّب علنًا بالمشاركة الأمنية الصينية. وبالنسبة لبكين، فإن مثل هذا الترتيب قد يكون مثاليًا من الناحية التكتيكية؛ حيث يُتيح لها إمكانية إنكاره في حال حدوث إخفاقات، مع بسط نفوذها دون الدخول في التعقيدات المصاحبة للانتشار العسكري الرسمي. أما بالنسبة للمجلس العسكري، فإن هذا التعاون يُوفر له دعمًا خارجيًا دون تخليه عن السيادة.
الخلاصة
إن الطلب الرسمي بإشراك شركات الأمن الخاصة الصينية في منطقتين قريبتين من الحدود الصينية ومصالحها الاستراتيجية يُعزز حقيقة جوهرية مفادها أن السياسات الخارجية والتنمية القائمة على استخدام البنية التحتية لا يمكن أن تستمر بمعزلٍ عن وجود استراتيجيات أمنية قوية وقابلة للتكيف. ونظرًا لامتداد حالة عدم الاستقرار من أفغانستان إلى المناطق التشغيلية للممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC)، واستمرار الحرب الأهلية في ميانمار، بدأت تشهد حسابات بكين الاستراتيجية تطورًا ملحوظًا. كما أصبحت مسألة إعادة تقييم مدى تحمّل المخاطر الخارجية، وآليات الحماية المتبعة، ونماذج التعاون طويلة الأمد تُشكّل أولوية استراتيجية بالنسبة لتشونغنانهاي. وأن الإخفاق في معالجة هذه التهديدات الأمنية قد لا يُهدد مشروعي الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC) والممر الاقتصادي بين الصين وميانمار (CMEC) فحسب، بل أيضًا مصداقية مبادرة "الحزام والطريق" بأكملها. وفي هذا الصدد، برزت شركات الأمن الخاصة الصينية كآلية عملية لسد الفجوات الأمنية الخطيرة دون الإخلال بالموقف الدبلوماسي الصيني.
بيان إخلاء المسؤولية:
الآراء والأفكار الواردة في سلسلة منشورات "رؤى وآراء" تعبر عن وجهات نظر كتّابها فقط، ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف مركز ربدان للأمن والدفاع أو أي من الجهات التابعة له أو أي جهة حكومية. يُنشر هذا المحتوى لأغراض إعلامية، ويعكس الرؤى الشخصية للمؤلفين حول مواضيع متنوعة تتعلق بالأمن والدفاع.
[i] BBC News. “What’s Going on in Myanmar’s China-Backed Cities?” BBC News, accessed May 28, 2025. https://www.bbc.com/news/articles/c0r84p0dp1jo.
[ii] International Institute for Strategic Studies. “Analysis.” Myanmar Conflict Monitor, accessed May 28, 2025. https://myanmar.iiss.org/analysis.
[iii] Abb, Pascal. “The China–Myanmar Economic Corridor and the Limits of China’s BRI Agency.” The Diplomat, February 2025. https://thediplomat.com/2025/02/the-china-myanmar-economic-corridor-and-the-limits-of-chinas-bri-agency/.
[iv] Arduino, Alessandro. Money for Mayhem: Mercenaries, Private Military Companies, Drones, and the Future of War. Lanham, MD: Rowman & Littlefield, 2024. https://rowman.com/ISBN/9781538170311/Money-for-Mayhem-Mercenaries-Private-Military-Companies-Drones-and-the-Future-of-War.
[v] Reuters. “China Condemns Attack on Myanmar Consulate.” Reuters, October 21, 2024. https://www.reuters.com/world/asia-pacific/china-condemns-attack-myanmar-consulate-2024-10-21/.
[vi] Reuters. “Gunmen Attack China’s Consulate in Pakistan as Violence Flares across Region.” Reuters, November 23, 2018. https://www.reuters.com/article/world/gunmen-attack-chinas-consulate-in-pakistan-as-violence-flares-across-region-idUSKCN1NS0AP/.
[vii] Zhanggui Zhou, Yan Cui, ICoCA Blog Jan 15, 2025. This standard represents a modified adoption of ISO 18788:2015 and is designed to improve the management and operational practices of Chinese security service providers, particularly in the context of international engagements. By incorporating advanced management methodologies, the standard carries substantial economic and social implications for the development of the industry within China. It has been specifically adapted to reflect domestic conditions and regulatory frameworks. https://blog.icoca.ch/the-new-chinese-national-standard-on-private-security/
[viii] Avant, Deborah D. The Market for Force: The Consequences of Privatizing Security. New York: Cambridge University Press, 2005. https://www.cambridge.org/core/books/market-for-force/0EAE220EDCBF4ADF88F97B6F7B1BDD10.
[ix] Arduino, Alessandro. “Chinese Private Security Companies: Neither Blackwater nor the Wagner Group.” War on the Rocks, December 2023. https://warontherocks.com/2023/12/chinese-private-security-companies-neither-blackwater-nor-the-wagner-group/.
[x] Arduino, Alessandro. “Pakistan, Afghanistan, China: Grappling with Rising Terrorist Threats.” ThinkChina, accessed May 28, 2025. https://www.thinkchina.sg/politics/pakistan-afghanistan-china-grappling-rising-terrorist-threats.
[xi] BBC Burmese. “မြန်မာနိုင်ငံတွင်တင်းမာနေဆဲအခြေအနေများ.” BBC Burmese, accessed May 28, 2025. https://www.bbc.com/burmese/live/cq8v47l998pt.
[xii] Abb, Pascal. “The China–Myanmar Economic Corridor and the Limits of China’s BRI Agency.” The Diplomat, February 2025. https://thediplomat.com/2025/02/the-china-myanmar-economic-corridor-and-the-limits-of-chinas-bri-agency/.