على مدى عقود، كان يُنظر إلى اختطاف الطائرات التجارية كوسيلة يستخدمها المتطرفون السياسيون للضغط على الحكومات للإفراج عن معتقلين أو لتحقيق مكاسب سياسية.[1] لكن في 11 سبتمبر 2001، تغيّر هذا المفهوم جذريًا، فالهجمات المدمّرة على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن أثبتت أن الطائرات المدنية التجارية يمكن تحويلها إلى أسلحة دمار شامل،[2] تودي بحياة المدنيين، وتشلّ الاقتصاد، وتعيد رسم ملامح السياسة العالمية.
في السنوات التي تلت هذه الأحداث، شهد أمن الطيران تحولًا جذريًا، فاستخدام أبواب قمرة القيادة المعززة، الفحص البيومتري، وقوائم الممنوعين من السفر، وتبادل المعلومات الاستخباراتية عبر الحدود، كلها أصبحت من إرث ما بعد 11 سبتمبر.
وبعد ما يقارب ربع قرن، لا يزال قطاع الطيران رمزًا عالي القيمة، وفي الوقت ذاته عرضة للخطر. فالجماعات الإرهابية ما زالت ترى في الطائرات والمطارات أهدافًا مغرية، ليس فقط لقدرة تهديدات الطيران على إحداث خسائر بشرية جماعية، بل لما تسببه من صدمة نفسية واضطراب اقتصادي واسع النطاق.
ورغم تصاعد المخاوف من الإرهاب منذ 11 سبتمبر، فإن الغالبية العظمى من كوارث الطيران لا تزال تعود لأخطاء بشرية أو أعطال تقنية، وليس لهجمات متعمدة. بحسب منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)[3] ودراسات متعددة في مجال السلامة، تظل الأخطاء البشرية العامل الأول في حوادث الطيران، تليها الأعطال الميكانيكية أو تعطل الأنظمة.[4] أما الحوادث المرتبطة بالإرهاب، فلا تمثل سوى جزء ضئيل جدًا من حوادث الطيران حول العالم. لكن عقب كوارث بارزة مثل تحطم رحلة الخطوط الماليزية MH370 أو طائرة متروجيت 9268 في عام 2015[5]، غالبًا ما تتجه التكهنات العامة والإعلامية نحو الإرهاب كسبب محتمل. ورغم أن اليقظة إزاء التهديدات المتطرفة تظل ضرورية، فإن التركيز المفرط على الإرهاب قد يشوّه تصور المخاطر ويصرف الانتباه عن معالجة الثغرات البنيوية في منظومة سلامة الطيران.
تعزيز إجراءات التفتيش أم نوع من الاستعراض؟ الطيران في عصر قوائم الترقب والصعود على الطائرات بعد الفحص البيومتري
جاءت أحداث 11 سبتمبر لتدشّن عهدًا جديدًا من الأمن والمراقبة، تجسّد في إقرار الكونغرس الأميركي لقانون "باتريوت" بعد أكثر من شهر بقليل من الهجمات.[6]
وكانت عمليات تفتيش الركاب من أبرز المجالات التي شهدت تطورًا كبيرًا منذ عام 2001؛ بداية من أجهزة فحص الجسم بأشعة الموجات المليمترية إلى كواشف آثار المتفجرات، ضخت المطارات استثمارات ضخمة لمنع مرور الأجهزة غير المعدنية والمواد السائلة. لكن الابتكار لدى الإرهابين لا يزال يتكيّف ويتطور؛ فالأجهزة المزروعة جراحيًا، والأسلحة المصنّعة بطابعات ثلاثية الأبعاد، والمتفجرات الكيميائية لا تزال تمثل تحديًا حقيقيًا لأنظمة الكشف الحديثة.[7]
وبالمثل شهدت تجربة السفر الجوي تحولًا كبيرًا مع إدخال تقنيات القياس الحيوي مثل التعرف على الوجه والقزحية وبصمات الأصابع. فبوابات العبور الإلكترونية، والأنفاق الذكية، وأنظمة الصعود البيومتري أصبحت تتحقق من هوية المسافرين قبل وصولهم إلى بوابة الصعود، ما يقلل فرص التلاعب ويتيح لعناصر الأمن التركيز على الركاب المصنّفين ضمن الفئات عالية الخطورة. لكن تبنّي هذه التقنيات يختلف بشكل كبير منطقة لأخرى، إذ تفرض لوائح الخصوصية قيودًا على كيفية تخزين البيانات ومشاركتها، وتؤدي التفاوتات في المعايير التقنية إلى فجوات يمكن للخصوم المتربصين استغلالها.[8]
أحدثت قوائم الممنوعين من السفر، وقوائم الترقب، وسجلات أسماء الركاب (PNR) تحولًا جذريًا في تصنيف مخاطر المسافرين. ورغم ذلك، لا تزال التصنيفات الخاطئة، وعدم اتساق المعلومات المتبادلة، واتهامات خطأ التصنيف تمثل تحديات قائمة. على مر الزمن، تحولت قوائم الترقب من جداول بيانات ثابتة إلى أنظمة تحقق متكاملة ومتزامنة مثل نظام "سكيور فلايت"، الذي يتحقق من هويات الركاب قبل إصدار بطاقة الصعود للطائرة. وقد أدى هذا التحول إلى تقديم نقطة الاعتراض إلى مرحلة مبكرة من رحلة السفر، مما جعل من الصعب على الأفراد المشتبه فيهم التسلل. ومع ذلك، لا يزال النظام يعاني من نقطتي ضعف رئيستين: أولاً، تظل التصنيفات الخاطئة مشكلة متكررة، بجانب قلة وسائل تصحيح تلك التصنيفات الخاطئة لأولئك الذين تم تصنيفهم خطأً. ثانيًا، ما يُعرف بـ"الأشخاص النظيفين"، وهم الذين لا يحملون سجلًا سابقًا أو علامات استخبارية، يمكنهم المرور دون اكتشاف لعدم إدراجهم ضمن أي قائمة. وتُظهر هذه القيود بوضوح أن قوائم الترقب لا يمكن أن تكون الحل الوحيد، بل يجب أن تكون جزءًا من نهج أمني متعدد الطبقات.[9]
تشير الأدلة إلى أن الأساليب المتقدمة المعتمدة على التكنولوجيا، مثل أجهزة الفحص المقطعية ونظم تبادل البيانات المحسنة، أثبتت فاعليتها أكثر من أساليب "التدقيق الأمني" السطحية مثل إلزام الركاب بخلع أحذيتهم. وبخلاف التقييم النفسي الذي قد يحمل تحيزًا وتطبيقًا غير متساوٍ، توفر عمليات الفحص التقنية المتعددة الطبقات بجانب المعلومات الاستخبارية تحسينات ملموسة في كشف التهديدات دون الاعتماد على الأحكام البشرية الذاتية. وإلغاء شرط خلع الأحذية في المطارات الأميركية مؤخرًا، بفضل استخدام أجهزة الفحص المقطعية، يعكس مدى إمكانية أن تحل وسائل التكنولوجيا الذكية محل الإجراءات الأمنية القديمة مع الحفاظ على نفس مستوى الأمان أو حتى تعزيزه.[10]
معضلة الأمن بالنسبة لطاقم الطائرة: المستجيبون الأوائل، لكنهم أيضًا أبرز المشتبه بهم
غالبًا ما يُهمل الحديث عن طاقم المقصورة في نقاشات الأمن، رغم أنهم أول من يتدخل في حالات الطوارئ أثناء الرحلة. منذ أحداث 11 سبتمبر، تلقى الطاقم تدريبًا لا يقتصر على خدمة الركاب فقط، بل يشمل أيضًا كشف التهديدات، وتهدئة النزاعات، وتقييد الحالات الطارئة. ومع ذلك، تظل قدرتهم على ردع التهديدات محدودة بسبب قيود الموارد وطبيعة البيئة المادية داخل الطائرة.
أدى التحول في بروتوكولات مقاومة الاختطاف، التي تُلزم الطاقم والركاب بالمقاومة بدلاً من الامتثال، إلى تعزيز القدرة على المواجهة، لكنه في الوقت ذاته زاد من احتمالية التصعيد.[11]
في الوقت نفسه، يمكن أن يكون مضيفو الطيران مصدر قوة أو نقطة ضعف محتملة. نظرًا لتحركهم بحرية داخل المقصورة وتفاعلهم المستمر مع الركاب، فهم في موقع فريد يمكنهم من اكتشاف السلوكيات المشبوهة مبكرًا، لكنه يجعلهم أيضًا أهدافًا رئيسية للضغط أو التجنيد من الداخل،
الإرهاق، وارتفاع معدل الدوران الوظيفي في قطاع الطيران، وعدم انتظام معايير التدريب، كل هذه أسباب قد تقلل من فعالية طواقم الطائرات، خصوصًا في الرحلات الطويلة أو في المواقف عالية الضغط. وفي حالات نادرة، قد يتم استغلال الأشخاص المستاؤون أو الذين يواجهون ضغوطًا مالية أو شخصية من قبل جهات خبيثة، وكذلك قد يتم استغلال العاملين في أرض المطار أو فريق الصيانة.
حتى الطيارون يمكن أن يشكلوا تهديدًا أمنيًا. أظهرت مأساة رحلة جيرمانوينغز 9525 عام 2015، عندما عمد مساعد الطيار إلى تحطيم الطائرة عمدًا في جبال الألب الفرنسية، ما أسفر عن مقتل 150 شخصًا، كيف يمكن للأفراد الذين يُمنحون الثقة بالقيادة أن يستغلوا سلطتهم لأغراض كارثية. منذ ذلك الحين، تم تعزيز فحوصات الصحة النفسية، وقواعد وجود شخصين في قمرة القيادة، وأنظمة المراقبة، إلا أن تطبيقها يختلف بشكل كبير من دولة لأخرى.
ويبقى التحدي الأساسي قائمًا: فالطيارون، رغم تدريبهم وخضعوهم للفحص الدقيق، هم بشر معرضون للضغط، والاكتئاب، والتطرف، أو الإكراه.[12]
لا تقتصر المخاطر على قمرة القيادة، بل تمتد إلى ما يُعرف بدورة "الموظفين الداخليين" في شركات الطيران. فالموظفون الذين يملكون صلاحيات دخول إلى الجانب الميداني من المطار، مثل مناولة الأمتعة، وخدمات التموين، وفرق الصيانة، يشكلون ثغرة أمنية نظرًا لقدرتهم على تجاوز نقاط التفتيش كليًا. ويُعد هذا التهديد الداخلي من الأصعب إدارةً، لأن هؤلاء الأفراد يشكلون جزءًا أساسيًا من سير العمل داخل المطار. في عام 2015، قام موظف في مطار مقديشو بتهريب قنبلة على متن طائرة تابعة لخطوط دالو الجوية، مخفيّة داخل جهاز لابتوب، مما أدى إلى انفجار على متن الطائرة، ولحسن الحظ لم يسفر الحادث إلا عن مقتل المنفذ.
وبعد ثلاث سنوات، في عام 2018، أقدم أحد العاملين في الخدمات الأرضية بمطار سياتل-تاكوما الدولي على سرقة طائرة صغيرة وتحطيمها، ما يظهر كيف يمكن للموظفين في المطار إساءة استغلال صلاحيات الوصول ليس فقط لأغراض إرهابية، بل أيضًا لأهداف شخصية أو انتحارية.[13]
تشهد أساليب الفحوصات الأمنية التقليدية القائمة على الفحص لمرة واحدة تحولًا نحو رقابة مستمرة تشمل فحص السجلات الجنائية، واستقصاء الضغوط المالية، والمؤشرات الاجتماعية أو السلوكية المثيرة للقلق. وتقوم شركات الطيران أيضًا بتشديد صلاحيات الوصول، بحيث يقتصر وصول الموظفين على الحد الأدنى اللازم لأداء مهامهم، مع فرض مراجعة واعتماد دوريين للتصاريح بشكل دوري. وفيما يتعلق بالطيارين تحديدًا، تبحث الجهات التنظيمية في اعتماد أساليب موحّدة للتقييم النفسي، ووضع حدود أكثر صرامة لساعات العمل والإجهاد، إلى جانب قنوات سرية للإبلاغ تشجّع على التدخل المبكر دون وصم أو إضرار بمن يطلب الدعم. تعكس هذه التدابير مجتمعة تحولًا من الفحوصات التفاعلية إلى نهج رقابي مستمر قائم على المراقبة والدعم، بهدف منع التهديدات الداخلية قبل تصاعدها.
التعرض لخطر التهديدات الداخلية لا يقتصر على موظفي شركات الطيران الأساسيين، بل يشمل أيضًا المتعاقدين والموردين ومقدّمي الخدمات الخارجيين. كشفت عمليات التدقيق مرارًا عن إخفاقات في إدارة التصاريح، مثل بقاء بطاقات الدخول نشطة بعد مغادرة الموظفين، أو ضعف الفحوصات الأمنية للعاملين المؤقتين الذين يمتلكون صلاحيات الدخول دون مرافقة إلى المناطق الحساسة. ويعاني قطاع الطيران من نقص مزمن في العمالة، وهو ما تفاقم بسبب تأثيرات جائحة كوفيد-19 والانتعاش اللاحق لحركة السفر. في عام 2024، أبلغت إدارة أمن النقل الأمريكية عن معدل الوظائف الشاغرة بلغ 20% بين موظفي الفحوصات الأمنية، مما أدى إلى تفعيل نظام ساعات العمل الإضافية، وتقليل مدة دورات التدريب، وإرهاق فرق العمل التي تعاني أصلًا من نقص. وتواجه شركات الطيران والمطارات على حد سواء صعوبة في توظيف الطيارين والفنيين وعناصر الأمن المؤهلين والحفاظ عليهم، ما أثار مخاوف بشأن السلامة واستمرارية المعايير.
فمعدل الدوران الوظيفي المرتفع والإرهاق لا يضعفان فقط اليقظة عند نقاط التفتيش، بل يزيدان أيضًا من مخاطر الأخطاء أو الثغرات التي قد يستغلها الموظفون أو الخصوم.[14]
صيانة الطائرات: تغييرات أمنية بعد 11 سبتمبر تركز على قمرة القيادة والعبث بالطائرات
تُعد صيانة الطائرات من المهام الفنية الدقيقة والتي تتطلب درجة عالية من الثقة؛ فقد يقوم موظف داخلي بتخريب أنظمة الطيران، أو التلاعب بالإلكترونيات، أو زرع أجهزة متفجرة أثناء عمليات الصيانة. ورغم أن الرقابة متعددة المستويات تقلل من هذه المخاطر، إلا أن تعقيد الطائرات الحديثة قد يجعل اكتشاف تلك المخاطر متأخرًا حتى بعد الإقلاع. ومن الممارسات الناشئة تعزيز الرقابة الصارمة وتبديل فرق العمل في المهام الحساسة.
وتمتد هذه الثغرات الأمنية أيضًا إلى المناطق المحيطة بالطائرة. فغالبًا ما تكون المناطق المحيطة بالمطارات والمناطق الجوية أقل أمنًا وتأمينًا من نقاط تفتيش الركاب، مما يجعلها أهدافًا سهلة للتسلل. وقد وقعت خروقات بسبب ضعف الأسوار، وعدم كفاية تغطية المراقبة، وبطء الاستجابة، مما سمح لأشخاص غير مصرح لهم بالوصول إلى مناطق محظورة أو حتى مدارج طائرات نشطة بالمطارات.
ولمعالجة هذه المخاطر، تعتمد العديد من المطارات أنظمة كشف متعددة المستشعرات تجمع بين الرادار، والتصوير الحراري، والمراقبة بالألياف الضوئية، والمتصلة مباشرة بنظام مراقبة الحركة الجوية.[15]
من بين أبرز الإصلاحات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر كان تعزيز أبواب قمرة القيادة لمنع الخاطفين من اقتحامها. وقد أدى هذا التغيير، إلى جانب بروتوكولات تقييد الوصول، إلى تقليص إمكانية سيطرة الركاب على قمرة القيادة بشكل كبير.[16]
ولمعالجة الثغرة الأمنية التي تظهر عند فتح باب القمرة أثناء الرحلة، فرضت إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) تركيب "حواجز إضافية" في الطائرات الجديدة. وقد بدأت شركة ساوث ويست إيرلاينز بتركيب حواجز قابلة للسحب شبيهة بالأبواب الشبكية على طائراتها من طراز بوينغ 737، لتوفير حماية أكبر من العربة التقليدية المستخدمة سابقًا كحاجز مؤقت.
ورغم أن دخول القرار حيز التنفيذ كان مقررًا في أغسطس 2025، مددت إدارة الطيران الفيدرالية الموعد النهائي لمدة عام، بعد أن أشارت شركات الطيران إلى تأخيرات في إجراءات التصديق والتدريب، في وقت تواصل فيه الاتحادات الضغط لتسريع تطبيق القرار.[17]
تكنولوجيا الطيران تشهد تغييرات جوهرية منذ أحداث 11 سبتمبر
تعتمد الطائرات الحديثة بشكل متزايد على الأنظمة الرقمية في الملاحة والاتصالات والصيانة. كما تعتمد شركات الطيران والمطارات على منصات تقنية متكاملة لإدارة الحجوزات، ومناولة الأمتعة، وتتبع الشحنات. وهذا يفتح المجال أمام ثغرات سيبرانية، سواء باستهداف العمليات الجوية مباشرة أو بشلّ حركة المطارات عبر هجمات الفدية. ورغم أن قطاع الطيران بدأ مؤخرًا فقط في التعامل مع الأمن السيبراني بجدية توازي الأمن المادي، لا تزال هناك فجوات قائمة؛ من أبرزها روابط الاتصالات بالأقمار الصناعية (SATCOM)، وقنوات تحديث برمجيات إلكترونيات الطيران، ووسائل التكنولوجية التشغيلية في المطارات مثل أنظمة مناولة الأمتعة، وشاشات معلومات الرحلات، وشبكات تزويد الوقود. وتُظهر الدراسات ونظم المحاكاة أن هجومًا منسقًا قد يؤدي إلى سلسلة من الأعطال المتتابعة في عدة مطارات رئيسية، ما يسبب اضطرابات واسعة النطاق.[18]
ورغم أن أمتعة الركاب أصبحت تخضع لرقابة مشددة، بينما لا تزال الشحنات التجارية تمثل هدفًا أكثر هشاشة. وقد كشفت مؤامرة "قنابل الطابعات" عام 2010، التي أخفى فيها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب متفجرات داخل طابعات تم شحنها على طائرات شحن متجهة إلى الولايات المتحدة، عن هشاشة أمن الشحن الجوي. فعلى عكس طائرات الركاب، تنتقل طائرات الشحن بكميات هائلة، مما يجعل الفحص الشامل تحديًا كبيرًا.[19]
ومع تنامي التجارة الإلكترونية وأنظمة التوريد الفوري، شهد الشحن الجوي ازديادًا كبيرًا؛ غير أن بروتوكولات الفحص تختلف من دولة إلى أخرى، وتبقى الطرود الصغيرة بشكل خاص صعبة التتبع والمراقبة. وما يزيد من تعقيد المخاطر هو أن الشحنات غالبًا ما تشارك المساحة نفسها مع الركاب على متن الرحلات التجارية، ما يضاعف احتمالات التهديد. ورغم أن جهودًا مثل تصنيف الشحنات حسب المخاطر وتقنيات التصوير المتقدمة تُسهم في الحد من التهديدات، إلا أن هذا القطاع لا يزال يشكل مصدر قلق بالغ لأجهزة الأمن.
كما فتحت الطائرات المُسيّرة التجارية ومنخفضة السعر جبهة جديدة في أمن الطيران. فبإمكان الطائرات الصغيرة ذات المراوح الأربع بسهولة تعطيل عمل المطارات من خلال التحليق في أجواء محظورة، أو عرقلة الإقلاع والهبوط، أو حتى الاصطدام بمحركات الطائرات. وقد شهدت مطارات كبرى مثل هيثرو وغاتويك إغلاقات مكلفة بسبب توغلات مشبوهة لطائرات مسيّرة، ما يبرز كيف يمكن لجهاز واحد فقط أن يشل حركة الطيران. بجانب مهام التعطيل، يمكن استخدام الطائرات المسيّرة لأغراض المراقبة والتجسس على محيط المطارات، أو حتى تسليحها عمدًا لاستهداف طائرات متوقفة، أو خزانات وقود، أو مناطق مكتظة داخل صالات السفر.[20]
وجد الطيران المدني نفسه مرارًا في مرمى نيران التوترات الجيوسياسية والنزاعات المسلحة. فإسقاط طائرة الخطوط الماليزية MH17 فوق أوكرانيا عام 2014، والتدمير المأساوي لـ طائرة الخطوط الأوكرانية PS752 عام 2020، هما خير مثال على المخاطر المرتبطة بتسيير الرحلات في مناطق النزاع أو بالقرب منها.
تُظهر هذه الحوادث أنه حتى الرحلات التجارية الدورية قد تتحول إلى ضحايا مما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري أو خطأ في التقدير. ويواجه كل من شركات الطيران والجهات التنظيمية توترًا دائمًا بين الضغوط التجارية للحفاظ على مسارات الطيران، والحاجة الملحة لضمان السلامة عبر تجنّب التحليق في الأجواء عالية الخطورة.
تتفاقم هذه التحديات بسبب التباين في تقييمات التهديد؛ فعلى سبيل المثال، في عام 2025 أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين تحذيرات متضاربة بشأن التحليق فوق بحر الصين الجنوبي، ما ترك شركات الطيران في حيرة من أمرها حول أي التحذيرات يجب أن تُعطى الأولوية.
تؤدي هذه التناقضات إلى حالة من الإرباك، وتزيد من تعقيد العمليات، وترفع من احتمالية اعتماد استراتيجيات تخفيف غير متكافئة بين شركات الطيران. وينعكس هذا التشتت أيضًا على مستوى المطارات؛ إذ كشف تقرير[21] للإنتربول صدر عام 2022 أن 37% من المطارات في إفريقيا و29% في جنوب شرق آسيا تفتقر إلى أنظمة متقدمة لاكتشاف المتفجرات، مقارنة بنشر شبه شامل لهذه الأنظمة في أمريكا الشمالية ودول غرب أوروبا.[22]
بعد عقدين من الزمن: تهديدات متغيرة ودروس باقية
بعد مرور أربعة وعشرين عامًا على هجمات 11 سبتمبر، قطعت منظومة أمن الطيران شوطًا كبيرًا؛ فقد أسهم تعزيز قمرة القيادة، وتطوير أنظمة التفتيش والفحص، والتعاون الدولي، في جعل تكرار تكتيكات سبتمبر 2001 أكثر صعوبة. ومع ذلك، لا يزال قطاع الطيران هدفًا عالي القيمة، فيما تحوّلت نقاط الضعف إلى مجالات جديدة، مثل الطيارين أنفسهم، والموظفين الأرضيين، والشحن، والطائرات المسيّرة، والتهديدات السيبرانية.
الدّرس الدائم لهجمات 11 سبتمبر هو أن أمن الطيران لا يمكن أن يظل ثابتًا؛ ومع تطوّر التكنولوجيا وتنوّع التهديدات، يجب أن تتطور إجراءات الحماية أيضًا، لحماية الركاب وشركات الطيران والمطارات. وعلى صانعي السياسات أن يتجنبوا الوقوع في فخ الرضا الزائف والحلول الوقتية، وأن يسعوا إلى بناء منظومة مرنة ومتكاملة تجمع بين العناصر البشرية والتقنية والرقمية معًا.
[1] Patterson, Thom, 'How the era of ‘skyjackings’ changed the way we fly', CNN-US, October 2, 2027, Why US airline hijackings spiked in the early 1970s | CNN
[2] Ito H, Lee D., ‘Assessing the impact of the September 11 terrorist attacks on U.S. airline demand’, J Econ Bus. 2005 Jan-Feb; 57(1):75-95, Assessing the impact of the September 11 terrorist attacks on U.S. airline demand - PMC
[3] ICAO (2024) ‘Safety Report’, Montreal-Canda, ICAO_SR_2024.pdf
[4] Yilmaz, A. A. (2025), ‘Critical Connections: Network Analysis of Human Errors in Aviation Accidents’, The International Journal of Aerospace Psychology, 1–27. https://doi.org/10.1080/24721840.2025.2531741
[5] Shalal, Andrea ‘U.S. lawmakers see no evidence of terrorism in Malaysia jet crash’, Reuters, March 31, 2014, U.S. lawmakers see no evidence of terrorism in Malaysia jet crash | Reuters
[6] Blalock, Garrick, et al. “The Impact of Post‐9/11 Airport Security Measures on the Demand for Air Travel.” The Journal of Law & Economics, vol. 50, no. 4, 2007, pp. 731–55. JSTOR, https://doi.org/10.1086/519816
[7] Schaper, David, ‘It Was Shoes On, No Boarding Pass Or ID. But Airport Security Forever Changed On 9/11’, September 10, 2012, NPR, TSA Timeline: How Travel And Airport Security Changed After 9/11 : NPR
[8] Magdalena Tomaszewska-Michalak (2022) ‘Biometric Technology 20 Years After 9/11– Opportunities and Threats’, Studia Politologiczne, Vol. 63, pdf-147957-73904
[9] Stephen W. Dummer (2006) ‘When False Positives and Secure Flight Using Dataveillance When Viewed Through the Ever Increasing Likelihood of Identity Theft’, Journal of Technology Law & Policy, Volume 11, Issue 2, False Positives and Secure Flight Using Dataveillance When Viewed Through the Ever Increasing Likelihood of Identity Theft
[10] Bryan Walsh, ‘America is finally moving past its post-9/11 security theater’, Vox, July 12, 2025, America is finally moving past its post-9/11 security theater | Vox
[11] Leslie Joseph, ‘How the Sept. 11 terrorist attacks forever changed air travel’, CNBC, September 11, 2021, How 9/11 forever changed air travel
[12] Pasha T, Stokes PRA, ‘Reflecting on the Germanwings Disaster: A Systematic Review of Depression and Suicide in Commercial Airline Pilots’, Front Psychiatry, 2018 Mar 20, Reflecting on the Germanwings Disaster: A Systematic Review of Depression and Suicide in Commercial Airline Pilots - PMC
[13] Robert Liscouski and William McGann, 'The Evolving Challenges for Explosive Detection in the Aviation Sector and Beyond, ' CTC Sentinel, May 2016, Volume 9, Issue 5, The Evolving Challenges for Explosive Detection in the Aviation Sector and Beyond - Combating Terrorism Center at West Point
[14] Jules Yimga, 2025. "Managing risk and reputation: What TSA complaint trends reveal about transportation security challenges in 2023–2024," Journal of Transportation Security, Springer, vol. 18(1), pages 1-20, Managing risk and reputation: What TSA complaint trends reveal about transportation security challenges in 2023–2024
[15] Halawi, L., Miller, M., & Holley, S. (2024) ‘Beyond the Blue Skies: A Comprehensive Guide for Risk Assessment in Aviation,’ IntechOpen, Beyond the Blue Skies: A Comprehensive Guide for Risk Assessment in Aviation | IntechOpen
[16] Les Abend, ‘A Perspective on Cockpit Security since 9/11’, FlyingMag, October 2, 2024, A Perspective on Cockpit Security since 9/11
[17] Aero News Journal, ‘Southwest Airlines Pioneers Secondary Cockpit Barrier on First Passenger Flight’, August 31, 2025, Southwest Airlines Pioneers Secondary Cockpit Barrier on First Passenger Flight
[18] Gaurav Dave et al, ‘Cyber security challenges in aviation communication, navigation, and surveillance’, Computers & Security, Volume 112, 2022, Cyber security challenges in aviation communication, navigation, and surveillance - ScienceDirect
[19] BBC News, ‘Yemen mail bomb 'could have detonated over eastern US'’, November 10, 2010, Yemen mail bomb 'could have detonated over eastern US' - BBC News
[20] Sky Safe, ‘Drones and Airplanes: A Growing Threat to Aviation Safety’, May 30, 2024, Drones and Airplanes: A Growing Threat to Aviation Safety | SkySafe
[21] IINTERPOL (2022) ‘2022 INTERPOL GLOBAL CRIME TREND SUMMARY REPORT.’, Global Crime Trend Summary Report EN.pdf
[22] Tobias Feakin (2011), ‘INSECURE SKIES? Challenges and Options for Change in Civil Aviation Security’, RUSI, Insecure Skies_AG.indd